بعد غياب سبع سنوات عاد فاضل الجزيري للمسرح، أخر عمل مسرحي قدّمه كان " ثورة صاحب الحمار " عن نص لعزالدين المدني التي تنبأ فيها بمآل الثورة! تونس «الشروق» عاد فاضل الجزيري للمسرح واختار مجموعة من الشباب لتجسيد مشروعه المسرحي الذي أنطلق فيه من نص مرجعي في الريبتوار المسرحي كاليغولا التي كتبها الروائي والمسرحي ألبير كامي سنة 1938 التي شهدت صعود الفاشية في أوروبا والحرب العالمية الثانية. لكن فاضل الجزيري قدم عملا لا صلة له بصورة كاليغولا كما قدّمها علي بن عياد سنة 1963 في مسرح دقة الأثري وكانت آنذاك مسرحية كلاسيكية ألتزم فيها بن عياد بالمعمار الروماني كما تصورها ألبير كامي الذي أختار شخصية كاليغولا المعروف بالعطش للدم وجنون العظمة والهوس بالجنس الذي لم تسلم منه حتى شقيقته الكبرى دوريسلا وقد كان كاليغولا ثالث أمبراطور روماني الذي حكم من 37 الى 41 م وكان على صلة من جهة الام بنيرون الذي أحرق روما . فاضل الجزيري أشرف على ورشة في المسرح الوطني بالتعاون مع شركته الفيلم الجديد وكانت حصيلتها هذه ألمسرحية التي أهداها الى روح المسرحي محسن بن عبدالله الذي يدين له الجزيري وعدد من المسرحيين بأحترافهم المسرح ولولاه لكان الجزيري " زوفري حسب تعبيره وأكد فاضل الجزيري في تقديمه للمسرحية انه ألتقى هؤلاء الشباب ولم يكن يتصور أنهم سيحملونه الى مسار أخر لم يكن يتوقعه. رؤية مسرحية كاليغولا من أكثر النصوص المسرحية التي يمكن تحميلها أفكارا فلسفية تتعلق بالوجود الأنساني والسلطة والحب والأستبداد وهي مقاربة فلسفية أساسا لمفهوم الحرية والصراع مع السلطة كمفهوم من خلال شخصية كاليغولا الذي كان يعاند حتى الطبيعة والشمس والمطر في صورة المستبد المجنون لكن فاضل الجزيري كسّر الصورة والمعمار الذي رسمه ألبير كامي ولم يحافظ على المفاهيم التي طرحها ألبير كامي وخاصة مفهوم السلطة التي ليست مرتبطة بالضرورة بالسياسة فهناك سلطة التدافع الاجتماعي وسلطة العائلة ورجال الدين ورأس المال... ثمانية شخصيات بلا أسماء ولا ملامح في فضاء يشبه الحمام شخصيات نصف عارية بملابس الأستحمام زمن ليلي بلا نهاية مطر ورعد لا يكاد يتوقف جمل متقطعة شجار لا ينتهي ، في هذا الإطار قدم الجزيري مسرحيته التي ذكرتنا بروح غسالة النوادر في مستوى تقطيع الجملة وبنيتها والواضح أن دور الجزيري في كتابة النص كان كبيرا كما لم يتخلص الشبان من تأثرهم بفاضل الجزيري وخاصة بدوره في غسّالة النوادر وسجلت المسرحية عودة محمد كوكة الذي قدم دورا مختلفا عن كل أعماله السابقة فقد منحه فاضل الجزيري أفقا جديدا وهو الذي خبر الأعمال الكلاسيكية. التجريب تخلى فاضل الجزيري عن البناء الأرسطي في المسرح فلا أثر لحكاية واضحة المعالم ولا أثر لشخصيات واضحة فقد قدم الجزيري عالما بلا ملامح يذكرنا بمرحلة العبث واللامعنى دون أن ينسى التأكيد على مجموعة من القضايا التي مثلت هاجسا للفنانين من جيل الجزيري خاصة وهي القضية الفلسطينية والحريات الفردية والمساواة في الأرث فالمسرحية لم تخل من هذه الأشارات التي ضمنها الجزيري للمسرحية. ولم تختلف المسرحية عن الأعمال السابقة للجزيري سواء كمخرج أو مشارك في مجموعة المسرح الجديد فالصورة عند الجزيري هاجس أساسي حتى لكأن المسرحية في بعض مشاهدها فيلم سينمائي.