تعيش المناطق الريفية الحدودية والجبلية واقعا صعبا خاصة في الشتاء حيث يجدون انفسهم بين مخالب عوامل مناخية قاسية وفقر ينهش أجسادهم الضعيفة ...يتسرّب البرد من شقوق اكواخ عجزوا عن سدّها وحماية انفسهم من غضب الطبيعة .. غار الدماء «الشروق»: رحلة "الشروق" إلى أرياف غار الدماء كانت مزيجا من التعب وسط عوامل مناخية وتضاريس وعرة تجد نفسك أمام عالم إنساني من نوع خاص حيث تعيش مئات العائلات بين مخالب المأساة وأنياب الألم الذي تخفف حدته بعض مسكنات الانشغال ببساطة الحياة ...هنا على مرمى حجر من الحدود التونسية الجزائرية يعيش سكان "الغرة" من عمادة المعدن بغار الدماء ليلا طويلا في انتظار غد قد يأتي بجديد ...هنا تتباعد دواوير عرقوب مشتة والفزوع والقحاميص والمكلاتية والجزائرية ومجر حنش والتي تتجمع بها حوالي 3 آلاف نسمة تبعد عن مركز مدينة غار الدماء ما يقارب 40 كيلومترا وسط عوامل مناخية صعبة كالجبال الوعرة والغابات الموحشة.. تنقل "الشروق" الى منطقة الغرة كان صعبا جدا وفي رحلة شاقة تراوحت بين التكدس في سيارة "الايسيزي" او النقل الريفي وبين مواصلة الرحلة على القدمين والحال ينطبق على عمّال وطلبة وتلاميذ المنطقة. حسب تأكيدات المواطن منجي فقيري فان المتساكنين يضطرون إلى قطع مسافة تقارب 20 كلم للوصول إلى الطريق المعبدة عين سلطان -غار الدماء في سفرة تكون في أغلب الأحيان على القدمين أو على الحمير والبغال ولمن يرغب في امتطاء سيارة فعليه أن يستعمل إما «الباشي» أو«الايسيزي» في سفرة يتكدس فيها البشر مع الحيوان بأعداد تفوق الخيال ...وقد تكون الرحلة اتعس اذا اعترضك حيوان مفترس غادر الغابة بحثا عن أي شيء يسد رمقه. هذه الوضعية تصبح أرحم بكثير من ايام البرد والامطار حيث ينقطع السكان ولمدة طويلة عن العالم خاصة وان الغرة معروفة بنزول الثلوج بكثافة ويبقى في الجبل لمدة قد تصل الى أسبوعين وهي مدة طويلة لسكان معزولين ويضطرون للنزول الى المدينة بحثا عن المواد الغذائية. غياب كل الخدمات... العم يوسف مزريقي بدت على وجه علامات السنين او ربما هي اثار سنوات العمر القاسية ,كان ملتفا في "قشابيته" ويداه ترتعدان بردا .. تخونه كل حركاته حتى وان حاول اخفاء عجزه عن مقاومة قساوة المكان الذي وجد نفسه فيه ..ولكن لا امل في دولة لم تضعه في خارطة اهتمامتها .. يقول العم يوسف بكلمات متعثرة ان المتساكنين يعانون صعوبة تحصيل الخدمات الصحية جراء رداءة المسالك ...تنهد وحاول ان يسرد حادثة أليمة مازالت في ذاكرته ..انها مأساة امرأة أنجبت مولودها بين الغابات والمسالك أثناء عملية نقلها على ظهر دابة نحو المستشفى ...ربما هذه الحادثة أهون من غيرها حيث تموت الحوامل في المنازل امام عجز الاهالي عن نقلهن ...وغيرها من الحالات تتكرر مع كل شتاء قارص. فتحي قضقاضي تحدث عن جانب آخر من المأساة.. انها المعاناة من اجل الماء حيث تتزاحم النسوة صباحا مساءا من أجل تحصيل قطرة ماء تجود بها الحنفية العمومية حينا وتبخل بها أحيانا أخرى ...فتحي خانته العبارات لوصف وضع كارثي ..صمت كثيرا ثم تساءل ...هل نحن مواطنون تونسيون ؟؟؟ كررها عديد المرات بنبرة غاضبة وأضاف...نحن نتنفس لكننا لسنا احياء ...لا احد يهتم لأمرنا .. أكواخ بدائية... حال تنقل سكان منطقة «الغرة» بمختلف تجمعاتها محفوف بالمخاطر والصعوبات في مسالك ملتوية وجبلية تتحول شتاء إلى أوحال فتعزل المنطقة التي تضم أكثر من 750 عائلة تسكن أغلبها الأكواخ والمساكن المتواضعة منهم من جادت عليه «أيادي الخيرين» فتزود بالكهرباء ومنهم من مازال يقضي ليله على ضوء الشموع والقناديل ومواقد النفط هذا طبعا ان وجدوا ضالتهم في مايسمى بالنفط السائل ..او قليلا من الحطب الذي اخذوه خفية عن اعين اعوان الغابات والا ستكون العقوبات المالية قاسية لا يتحملون مقدارها ...هم يسكنون الغابة وفي قلبها لكنهم ممنوعون من التمتع ولو بالقليل من اغصانها لنشر الدفء في اكواخ باردة ومظلمة في اغلب الاحيان ...ومع نزول كل قطرة مطر يتوجس المتساكنون خوفا من سقوط اكواخهم فمتى تنتهي مأساة ؟ أضف لذلك فأهالي منطقة «الغرة» لا موارد رزق لهم سوى البعض من الماشية عددها على أصابع اليد لا تكفي لنفقات الدراسة والمصاريف اليومية مما يضطر أغلبهم الى العمل في فترات قصيرة بحضائر الغابات ...والغريب في الأمر أن معظم السكان هناك لم يتمتعوا بدفاتر علاج مجانية ولا منحة العجز ولا منحة تحسين المساكن أو إزالة الأكواخ فتحولوا من منطقة «ظل» كما كانوا يصنفونها الى منطقة "ذل" جراء ما يمارس عليهم من احتقار ونسيان وتهميش. الطبيعة القاسية... والجار المنقذ سكان "الغرة "حسب تأكيدات مصطفى فقيري تآمرت عليهم الدولة والعوامل الطبيعية حيث برودة الطقس المرفوقة في كل شتاء بنزول كميات كبيرة من الثلوج تبقى متراكمة لشهور يزداد معها حال السكان سوءا حيث يجدون صعوبات في تحصيل المؤونة وحطب التدفئة وهو ما يزيد من تردي الوضع ... العون والرحمة تكون من الاشقاء الجزائريين الذين لا تفصلنا عنهم غير كيلومتر وواد. تراءت لنا منازل وتجمعات الخلايفية والغرابة والزان من الجانب الجزائري ، أشقاء جمعتنا بهم علاقة تآخي ومصاهرة فنتزود بالمواد الغذائية ووسائل التدفئة والكثير من متطلبات العيش اليومية حتى أن أغلب المعاملات تكون مع الأشقاء الجزائريين. في الدكانين الوحيدين بالجهة ,هذا ان صحت تسمية دكاكين , كل المواد الغذائية من زيت نباتي وياغورط وأجبان والحلويات والبسكويت جزائري الصنع مقابل أنابيب غاز تونسية فارغة المحتوى تنتظر حسب تأكيدات صاحب دكان مرور الايام الممطرة ,لعل الطبيعة تسمح بمرور سيارات وشاحنات التزويد فتمتلئ الأنابيب ويهجر محرومي المنطقة طريقة التدفئة والطبخ على الحطب. والمواقد ....وصول شاحنات وسيارات التزويد التونسية تعوض طريقة التزود من الأشقاء الجزائريين ,لانها وان مثلت حلا فإنه يبقى يندرج بحسب القانون في خانة التهريب الذي يضر الاقتصاد الوطني , وقد تسبب في الوقوع في المحظور حسب ما أكّده للشروق أحمد مزريقي حين تم التعامل مع المهربين وان كان لأجل جلب مواد غذائية بحد النار والبارود ,فانه تسبب في مآسي عديدة , وكم من مرة أصيب فيه خيرة شبابنا في مقتل آخرها مقتل شاب السنة الفارطة بعد اصابته بطلق ناري من قبل الدرك الجزائري وبقي البعض الآخر يعاني اعاقات وعاهات تظل شاهدة على ان الخطر يبقى يتهددنا من اجل تحصيل لقمة العيش. تزويد المناطق الحدودية بالمواد الغذائية وقوارير الغاز وتحسبا لموجة البرد أكّد والي جندوبة محمد صدقي بوعون ان الاستعدادات الجهوية لمجابهة موجة البرد خاصة بالمناطق الحدودية شملت تجهيز قاعة عمليات وتخزين 4 اطنان من المواد الغذائية وحشايا وأغطية صوفية ليتم التدخل في طبرقة وفرنانة انطلاقا من عين دراهم قصد السرعة والنجاعة. وأضاف انه تم توزيع 8 اطنان من المواد الغذائية وحشايا وأغطية صوفية كما قام الاتحاد التونسي للتضامن بتدعيم المخزون الاستراتيجي باستقدام 10 اطنان من المواد الغذائية اضافة ل10 اطنان متواجدة ليكون المخزون الجملي في حدود 20طنا تقريبا. هذا وستقوم جمعية"قطر الخيرية "من خلال قافلة بالتنسيق مع الاذاعة الوطنية يوم 19 جانفي 2019 وسيتم تمكين800 عائلة من 3 حشايا واسرة وسخانات وملابس صوفية وحوالي 50 كغ مواد غذائية لكل عائلة. من جانبه أكّد نصر الدين الزرقي المتصرف الجهوي للجنة الجهوية للتضامن الاجتماعي انه وفي البرنامج الجهوي لمجابهة موجة البرد وفصل الشتاء سيتم توزيع 20 طنا من المواد الغذائية و2500 غطاء صوفيا و500 حشية و35 ألف قطعة ملابس على سكان المناطق الحدودية النائية والعائلات المعوزة. المدير الجهوي للحماية المدنية ومقرر اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث انه تم تركيز آليات للتدخل السريع والناجع وكذلك وضع اللجنة في حالة يقظة ومراقبة مراكز الايواء بالجهة والمستشفيات وتسطير خطة عمل وتدخل لايواء مرضى القصور الكلوي. وقد تم كذلك الاذن بتمكين التجمعات السكنية البعيدة بكل المواد الغذائية وتزويد نقاط بيع المواد الغذائية بالجملة بجميع المستلزمات الغذائية وقوارير الغاز. أرقام ودلالات 750 عائلة تسكن أغلبها الأكواخ 1 كلم يفصل المنطقة عن الجزائر 40 كلم تفصل منطقة الغرة عن غار الدماء 20 كلم يقطعها السكان للوصول للمعبّد