في تونس، يرمز يوم 14 جانفي الى التفكير في الاختيار الذي قام به التونسيون بعد ثورة 2011 لترسيخ الديمقراطية كنظام حكم لإدارة البلاد، اختيار تم تعزيزه من خلال التأييد الساحق للدستور الذي اعتمد في سنة 2014. ولكن هل هو يوم للاحتفال في تونس؟ في استطلاع للرأي قام به مركز بيو سنة 2012، صرح 63 % من التونسيين أنهم يفضلون الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم. واليوم، تبلغ هذه النسبة 48 %. وعند التحدث إلى التونسيين، تجد أن المشاكل الاقتصادية تكمن وراء خيبه أملهم. ويتساءل الناس بشكل معقول عن ماهية الديمقراطية إذا لم تجلب لهم ولأسرهم الرخاء.. ومن المؤكد أنه ينبغي لأي حكومة ان تستجيب لرغبات واحتياجات من انتخبوها. وللمواطنين كل الحق في الشعور بالإحباط إذا لم يروا النتائج. ولكني أعتقد ان الامر مختلف. لا توجد صلة مباشرة وتلقائية بين الديمقراطية (أو اي شكل آخر من أشكال الحكم) والازدهار. ونأمل أن تحافظ الحكومة، في الديمقراطية، على وعودها لأننا نتطلع ان يضع القادة الذين نختارهم سياسات جيده. ولكن الأمر الرئيسي هنا ليس ما إذا كان القادة وضعوا سياسات جيدة، ولكن بالأحرى ان نختار من هم القادة. ولدينا القدرة على تغيير أولئك الذين لا يحافظون على وعودهم. وما من شكل من اشكال النظام الحكومي غير الديمقراطية يوفر لنا هذه السلطة. الحق في الاختيار، وجعل صوتك مسموعا، يبدو انه ذو قيمة للكثير من التونسيين. وفي الاستطلاع نفسه الذي أجراه مركز بيو، قال التونسيون إن بعض الحريات لها اهمية قصوى بالنسبة لمستقبل تونس: حريه التظاهر السلمي (68%)، حقوق المرأة (66 %)، الحق في انتقاد الحكومة (64 %)، والحق في استقلال وسائل الاعلام غير الخاضعة للرقابة (63 %). ولم أقابل حتى الآن تونسيا لا يريد ان يكون له الحق في التصويت-حتى لو اختاروا عدم ممارسته. أعتقد أن الناس يدركون أهمية الديمقراطية لأنها تعكس فكرة معينة عن المساواة والحرية. وتعكس الديمقراطية أيضا فكرة معينة عن الكرامة: إنه ينبغي ان يكون لجميع الأفراد الحق في التصويت علي قدم المساواة، وان يكون لهم رأي في تشكيل الحكومة. ولا يتعلق اي من هذه الحقوق والحريات بما إذا كانت الديمقراطية تجلب الرخاء ام لا. هنا يكمن كل التقدير لأنهم يسهمون في المحافظة على الكرامة الإنسانية. كما تمثل الحاجة إلى الحفاظ على هذه الحريات حجة قوية لإنشاء المحكمة الدستورية، التي ستكون الوصي النهائي. كثيرا ما أتعرض لتصريح بعض التونسيين عن شعورهم بأنه، منذ الثورة، قد اكتسبوا حرياتهم ولكن ليس الوظائف والكرامة التي حاربوا من أجلها أيضا. ويبدو لي من الحكمة أن أذكر بأنه، بفضل الديمقراطية والحريات الفردية والمساواة التي توفرها، اكتسب المواطنون شكلا من اشكال الكرامة. ومن المسلم به أن هذا لا يلبي جميع توقعات ما بعد الثورة. ولكن في نفس الوقت، لا يمكن اعتباره لا شيء. أعتقد ان ما اكتسبه التونسيون حتى الآن، من حيث الحرية والكرامة، يستحق ان يحتفل به، حتى ونحن ندرك الحاجة الى المزيد من المجهودات في المستقبل لخلق المزيد من فرص العمل وتحقيق رخاء أكبر لتلبية تطلعات الشعب بشكل أفضل.