في أكثر من مناسبة ردّد الخبير في القانون الدستوري الاستاذ قيس سعيد مقترحه الداعي الى وضع إعلان تونسي لحقوق الانسان والمواطنة. وبرّر سعيد مقترحه هذا بأن «عهد الوصاية انتهى» مبرزا أنّ «التونسيين والتونسيات حتى في المناطق النائية لهم تصور واضح ولهم تطلعات أرقى وأنقى من تصورات من لا يزالون يعتقدون أنهم نخبة وأنهم أوصياء على المجتمع من التيّارات والشخصيات الدينيّة المتشددة وايضا التيّارات العلمانية المتطرفة».
كما برّر الخبير في القانون الدستوري تكرار مقترحه منذ ثلاثة أشهر بالقول «بدأت تظهر تجاذبات وانقسامات مسقطة حول مسائل عليها وفاق داخل المجتمع لكن طرحها في هذه المرحلة له علاقة بمشاكل سياسية وليست دستورية». وأكّد سعيّد في أكثر من تصريح أنّ إعلان تونس لحقوق الانسان والمواطنة يعدّ سبيلا للاتفاق حول جملة من المبادئ الاساسية حول الحقوق والحريات يتم النأي بها عن أي سلطة سياسية قادمة وتكون لهذا الاعلان علويّة على الدستور ويكون الحل النهائي لحماية حقوق التونسيين الاساسية دون الاستقطاب الثنائي الذي ثبُتَ تعطيله للحياة السياسية برمتها.
وأشار الى أنّ «تونس بتاريخها وموقعها الجغرافي لن تكون لا مقاطعة أفغانية ولا دولة اسكندنافيّة». مقترح سعيد الذي يعيده ويلح عليه في كل مناسبة تصادمية بين السياسيين حول الحقوق والحريات أصبح اليوم مسنودا بوثيقة رسمية تحمل تسمية عهد تونس للحقوق والحريات تمّ تسليمها يوم 12 أوت الجاري لرئيس المجلس الوطني التأسيسي.
هذه الوثيقة الحقوقية يتبناها المعهد العربي لحقوق الانسان والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الانسان وهيئة المحامين وجمعية النساء الديمقراطيات ونقابة الصحافيين التونسيين وهي تتضمن 8 فصول شملت كل المقومات الاساسية للحريات والحقوق ويتضمن توطئة قدم من خلالها الخبراء مشروعية الحق الانساني وضماناته الدستورية والدولية.
وينص عهد تونس للحقوق والحريات، الذي وصفته الحقوقية حفيظة شقير على أنه لا يكتسي قيمة قانونية ملزمة بقدر ما يكتسب قيمة معنوية من شأنها أن تساهم بشكل واضح في تطوير هذه القوانين ودسترتها، على الحق في حياة كريمة وفي الحماية والامان وفي الاختيار الحر والمساواة وعدم التمييز والحق في المواطنة والمشاركة والحق في التنمية الانسانية والفكرية والثقافية والابداعية والحق في بيئة سليمة ومتوازنة.
ويوضّح واضعو هذا العهد اختيار تسمية عهد تونس للحقوق والحريات بالقول «هو تأكيد على ضرورة التمسك بالجذور والعادات الدستورية للتونسيين الذين دشنوا حقبات من الحقوق الدستورية بداية من عهد الامان الى دستور 1861».
وبعد وصول هذه الوثيقة الى حرمة التأسيسي يدور السؤال حول مآلها ومدى انعكاس ما تضمنته على أشغال اللجنة التأسيسية للحقوق والحريات التي توقفت اشغالها عند ضجيج الفصل 28 المتعلق ب«التكامل» بين الجنسين بدل «المساواة».
هل ستستعين اللجنة بما جاءت به الوثيقة لاستكمال كتابة بقية الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات ؟ وهل يتم إعلان عهد تونس للحقوق والحريات فيكون ذلك أول ثمرة تجنيها تونس من ثورتها التي فاجأت كلّ المتابعين في العالم؟ كيف تنظر لجنة الحقوق والحريات لهذه الوثيقة وكيف تنظر لدعوة الاستاذ قيس سعيد؟ اسئلة لم تجب عنها فريدة العبيدي رئيسة اللجنة الاساسية للحقوق والحريات إذ لم ترد على اتصالنا الهاتفي رغم اتفاقنا معها على التواصل في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال لكننا تفاجأنا بها لا تردّ على الهاتف.