بعد الوجه الذي ظهر به اتحاد الشغل بمناسبة الاضراب الاخير من حيث الانضباط والقدرة على التعبئة واستماتته إلى حدود أمس السبت في التمسك بمطالبه، وسط تقاطع كبير بين مطالبه ومطالب عدد من الأحزاب ومن أبرزها الجبهة الشعبية. تونس الشروق: بعد التحركات الاخيرة لاتحاد الشغل والتي تواصلت الى حد أمس السبت وتخللها اضراب عام « ناجح» في الوظيفة العمومية والقطاع العام وإقرار إضراب ثان مماثل على مدى يومين في شهر فيفري القادم، اعتبر مراقبون ان ذلك سيكون افضل تحضير للمنظمة الشغيلة لخوض غمار الانتخابات القادمة إذا ما قررت ذلك بصفة رسمية. لكن بالتوازي مع ذلك طُرحت تساؤلات اخرى حول إمكانية ركوب بعض الألوان السياسية (اليسار عموما وتحديدا الجبهة الشعبية) على هذا النجاح قصد الاستفادة من صورة الاتحاد في الانتخابات القادمة وما قد يمثله ذلك من تشويش على حظوظه وعلى صورته التي اكتسبها الى حد الآن. وكانت الجبهة الشعبية وأحزاب يسارية منها حزب العمال والوطد الموحد قد أصدرت بيانات دعّمت فيها الاضراب العام وتحركات اتحاد الشغل، بل إنّ البعض منها يدفع الى النزول الى الشوارع، وقد رفعت شعارات فيها الكثير من التحميس والشحن الايدولوجي وحاولت أطراف يسارية الانحراف بمسار مسيرة الخميس الفارط في اتجاه القصبة مقر رئاسة الحكومة. تعبئة وانضباط لقد تأكدت كل هذه المحاذير بمناسبة الاضراب العام الاخير فقد ثبت بما لا يدع مجالا للتشكيك ان لاتحاد الشغل قدرات هامة على التعبئة وعلى حشد الأنصار والناخبين للتصويت لفائدته إذا ما قرر رسميا خوض الانتخابات القادمة. وأكثر من ذلك تاكد ايضا بمناسبة الاضراب ما يتحلى به أنصاره من انضباط والتزام بالتوصيات، وهذه عوامل تستهوي دونما شكّ الأطراف السياسية والحزبيّة. وهو ما اتضح مثلا بمناسبة الانصياع لقرار الاتحاد عدم الاستجابة لإجراء التسخير الذي اتخذه رئيس الحكومة وايضا الاستجابة لدعوة تامين خدمات دنيا بالقطاعات الحساسة الى جانب الالتزام الاهم وهو الطابع السلمي للإضراب وللمسيرات الاحتجاجية بكامل انحاء الجمهورية. وكل ذلك من شانه خدمة الاتحاد في صورة تقدمه رسميا للانتخابات التشريعية او الرئاسية بالنظر الى ما ستكون له من قدرات مماثلة على تعبئة الناخبين وعلى تنظيم حملات انتخابية ناجحة بكامل انحاء البلاد. ركوب تميزت مسيرات الاتحاد يوم الاضراب العام بمشاركة بعض المكونات السياسية التي خرجت لتأييده وللتعبير عن مواقفها السياسية وعن معارضتها للحكومة. وذهبت بعض الأطراف حد رفع شعارات تضمنت محاولة تصفية حسابات مع خصومها السياسية. وهو ما دفع بملاحظين إلى التعبير عن خشيتهم من أن يشوش ذلك على تمشي الاتحاد نحو مشاركة ناجحة في الانتخابات القادمة تقوم على منافسة حقيقية مع بقية المترشحين دون مزايدات او اساليب تخالف اخلاقيات العمل السياسي اذا ما حاولت بعض الأطراف الركوب على مشاركة الاتحاد. فاتحاد الشغل ظهر بمناسبة الإضراب العام بمظهر وطني ولم يشأ الميل الى اي توجه سياسي او المزايدة تجاه اي طرف سياسي واقتصر على انتقاد الحكومة وخياراتها دون الوقوع في ما من شانه ان يمس من الهدوء السياسي القائم في البلاد (ولو نسبيا) والذي جنب البلاد منذ سنوات الدخول في متاهات خطيرة . منظمة وطنية يعتبر المحللون ان الاتحاد إذا ما رغب في مشاركة ناجحة في الانتخابات القادمة عليه أن يبقى على المسافة نفسها من كل الأطراف السياسية باعتباره منظمة وطنية تضم كل الألوان السياسية من اليمين الى اليسار وعلاقة امينه العام باغلب الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية محترمة خصوصا بعد ان اظهر منذ انتخابه على رأس المنظمة الشغيلة حيادا سياسيا وايديولوجيا واضحا. كما نجح الأمين العام وفق عديد المختصين في الحفاظ على استقلالية الاتحاد عن الأحزاب السياسية رغم وجود مساع من قبل أحزاب لتوظيف هذه المنظمة سياسيا. وهو ما يؤكد ضرورة أن يمنع أية محاولات لركوب بعض الالوان السياسية على نجاحاته الاخيرة (خاصة يوم الاضراب) من اجل خدمة مصالحها السياسية. فالاتحاد بما له من قوة تنظيمية هيكلية ومن قدرة على وضع برنامج انتخابي مستقل استنادا الى تجربته في مجال الدراسات والاستشراف وبما له من قدرة على التعبئة يوم الاقتراع قادر على خوض التجربة بصفة منفردة بعيدا عن كل محاولات توظيفه لخدمة توجه او فكر سياسي دون غيره. ولكن للأحزاب حساباتها وتكتيكاتها بغاية الاستفادة من هذا الوهج الذي بات يُرافق تحركات المنظمة الشغيلة وهذا الموقع المتقدّم الذي احتلته دفاعا عن الطبقات الضعيفة وعن استقلال القرار المحلي ورفض الوصاية الاجنبية على الاقتصاد الوطني او ارتهان الخيارات الوطنية لما يُنعت بأنّه إملاءات صندوق النقد الدولي. توظيف الاتحاد للحساب الخاص نوّه الدكتور عبد اللطيف الحناشي الى أن السؤال المطروح راهنا :»هل هناك من يرغب في توظيف الاتحاد لحسابه الخاص؟» معتقدا أن الجواب في ظل غياب مؤيدات تدعم الجواب «بنعم» يكمن في أنّ قيادة الاتحاد قد شاركت في الحكومات ما بعد الثورة وكانت جزءا من العملية السياسية وهي في رأيه على وعي تام بمن يريد زجها في المعارك السياسية وأن التقاءها مع بعض الاطراف السياسي يمكن توصيفه بالالتقاء الموضوعي. نقاط التقاء بين اتحاد الشغل والجبهة الشعبية أبرز المطالب التي يطرحها الاتحاد العام التونسي للشغل تتقاطع بشكل كبير جدا مع ما ترفعه أحزاب اليسار وخاصة المنخرطة في الجبهة الشعبية من شعارات سياسية تواترت في الكثير من البيانات والتصريحات وسمعنا صداها في مسيرات الإضراب العام الأخير، ومنها أساسا: اسقاط الحكومة الحالية التنديد بالسياسات الحكومية المتبعة منذ الثورة الى الان. القطع مع صندوق النقد الدولي الاغتيالات وقضية الجهاز السري شعارات ضد النهضة ورئيسها راشد الغنوشي