تحوّلت المسيرة التي نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة تنفيذه للإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية من مسارة ترفع فيها الشعارات المطلبية إلى احتجاجات سياسية بعناوين واضحة، فاصطفّت القيادات النقابية والحزبية (الجبهة الشعبية) جنبا إلى جنب وتحولت الشعارات من مطالب الزيادة اجور إلى المطالبة بإسقاط الحكومة . وسخر الكاتب عادل السمعلي من فجاجة الشعارات السياسية التي رفعت ودوّن قائلا: “الآن في شارع الحبيب بورقيبة : الصدام الصدام حتى يسقط النظام.. هذا شعار اتحاد الشغل والاّ شعار حزب متغطي وراء اتحاد الشغل.” الصورة لم تختلف في واقع الأمر عن تلك التي رأيناها يوم الإضراب العام الذي نفذه اتحاد الشغل شهر نوفمبر الماضي، حيث نزلت قيادات نداء تونس والجبهة الشعبية بهدف مُؤازرة الطرف النقابي في معركته مع الحكومة. التقاء الحزبي بالنقابي، لم يعد يُمارس في الخفاء، بل أعلن عنه اتحاد الشغل صراحة بعد أن أكد على لسان أمينه العام المساع عبد الكريم جراد أن الاتحاد لن يكون محايدا في الانتخابات التشريعية لسنة 2019 وسيقوم بدعم الأحزاب ذات التوجه الاقتصادي الاشتراكي بغض النظر عن توجهها الايديولوجي. ولم يُفوت النائب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية الحضور في مسيرة الاضراب العام، الذي وصفه “بالعُرس” مُحذرا في الآن نفسه من مآلات تحدّي أكبر مُنظمة شغيلة في البلاد. وقال في تصريح لموقع “الشاهد”: “ندعوهم حفاظا على تونس وعلى السلم الاجتماعي والارواح والاقتصاد والتجربة التونسية أن يستعدّوا لرحيل مشرّف قبل أن يتمّ إخراجهم من النوافذ الضيقة، وأضاف في تصعيد لفظي: ” كلّ من وقف وتحكحك على الاتحاد.. تحك هو.. وخرج من ثقب صغير.” ويشار إلى أنّ المسيرة العمالية التي نظمها وقادها الاتحاد الجهوي للشغل بباجة في اتجاه مقر الولاية، شهدت أجواء مشحونة ومتوترة من خلال رفع العديد من الشعارات السياسية الموجهة ضد الحكومة والأحزاب الحاكمة. وحصلت المناوشات بعد أن رفع نشطاء من الجبهة الشعبية شعارات ضد حركة النهضة وكادت الأمور أن تتطور لو لا تدخل القيادات النقابية للاتحاد الجهوي للشغل بباجة التي بذلت جهدا كبيرا للمحافظة على الطابع السلمي للتحرك زيادة على التواجد الأمني المكثف الذي رافق المسيرة إلى حين تفرقها من أمام مقر الولاية. ولفت الإعلامي زياد الهاني إلى أنّ اتّحاد الشغل تحول من مستأمنٍ على البلاد منذ بواكير الحركة الوطنية المكافحة ضد الاستعمار إلى معول أساسي في تحطيمها بالدوس على قوانينها، عوض أن يكون القدوة في احترام هذه القوانين التي تعتبر عمادا للدولة المدنية الحديثة. وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد أكّد في كلمة مسجلة تم بثها مساء أمس الأربعاء 16 جانفي 2019، خلال نشرة أخبار الثامنة على قناة الوطنية الأولى، أنه سيدعو الاتحاد، بصفته الشريك الاجتماعي للحكومة، إلى الحوار مجددا بعد الإضراب العام، “لتغليب المصلحة الوطنية ومصلحة الوطن”، بعد أن أعرب ”عن أسفه لما آلت إليه الأمور”، وكشف أن ”الحكومة كان بمقدورها إمضاء الزيادات في الأجور إلا أنها غلبت ما تراه مصلحة وطنية”.