نجح فيلم « بورتوفرينا « مساء السبت الماضي في إزالة آثار الكآبة ومظاهرها عن رواد قاعة الكوليزي بالعاصمة الذين توافدوا بأعداد غفيرة لاكتشاف المولود السينمائي الجديد للمخرج إبراهيم اللطيف والتخلص من الضغط النفسي الذي فرضته الأحداث الأخيرة في تونس . ومنها الإضراب العام الذي انتظم منذ يومين . تونس (الشروق) في عرضه قبل الأول استقطب فيلم «بورتوفرينا «للمخرج ابراهيم لطيف مساء الجمعة 18 جانفي 2019 جمهورا غفيرا غصت به قاعة سينما الكوليزاي بالعاصمة مما اضطر عددا منهم الى المغادرة أو متابعة الفيلم وقوفا ... وهذا العمل يعود به لطيف بعد 7 سنوات غيابا عن الأفلام الروائية الطويلة . وتنطلق أحداث الفيلم من مدينة غار الملح التابعة لولاية بنزرت و»بورتوفرينا « هي التسمية القديمة لهذه المدينة. ومنها استوحى إبراهيم لطيف عنوان هذا الشريط الذي جمع ثلة من نجوم المسرح والسينما في تونس على غرار وجيهة الجندوبي ومحمد إدريس وجميلة الشيحي وفاطمة بن سعيدان و محمد علي بن جمعة وأسماء عثماني ومحمد السياري ولطيفة القفصي ورياض حمدي ومنيرة الزكراوي ونجوى زهير وفوزية بو معيزة ... توزع تصوير الشريط على أربعة أماكن. وهي ميناء غار الملح ومنزل عتيق وسط المدينة ومركز شرطة ومدرسة وتركزت الأحداث تقريبا في المنزل حيث تجتمع عائلة « الريس فرج» محمد ادريس مع زوجته وعائلتها وعائلة أخيه. وتنطلق الحكاية مع عودة "علي" محمد علي بن جمعة (ابن فرج بالتبني ) من أروبا نزولا عند رغبة والده الذي يريد تزويجه بابنة عمه «سارة «اسماء عثماني بعد أن عجز عن الإنجاب من زوجته الفرنسية ورفضه فكرة التبني . ومع عودته يكتشف أن من اختارها له والده لا تريده رافضة فكرة الزواج منه. ويصطدم بسر عائلي جعله يعيد كل حساباته. فهو الذي رفض التبني. وخسر زوجته التي أحبها. وساعدته في الحصول على الإقامة في فرنسا. واكتشف انه متبن وأمه الحقيقية هي من كان يعتقد أنها خالته . وتسير الأحداث بين التحريم والإكراهات الاجتماعية لقصة التبني وغطرسة الزوج الذي هو في نفس الوقت الأب والأخ المتحكم والمسيطر على العائلة باعتباره الوريث الوحيد لوالده. وإن بدت القصة في ظاهرها محزنة الا أن مخرجها ألبسها حلة الكوميديا. وساعد على إضفاء هذه المسحة الكوميدية اختياره ممثلين مسرحيين بالأساس. وهو اختيار موفق لإبراهيم لطيف. فالأداء المقنع والجيد للممثلين يمكن اعتباره نقطة إضاءة في هذا العمل الذي لم يخل من هنات . و لعل ما يحسب أيضا «لبورتوفرينا « اكتشاف جمالية المكان لمن لا يعرف مدينة غار الملح دون أن ننسى البصمة التقليدية التي صاحبت ملابس الشخصيات. فالمشاهد لهذا العمل يشعر أنه بين أحضان تونس بجمال طبيعتها وسحر عاداتها وتقاليدها دون أن ننسى مسحة «الذمار» التي صاحبت الشخصيات والتي أضفت جانبا كوميديا هزليا على العمل . والمعروف أن سكان منطقة غار الملح يحملون أصولا اسبانية ومالطية. وهو ماانعكس ايضا على الديكور والملابس. «بورتوفرينا» وان تناول قضية إنسانية غير مرتبطة بحدود جغرافية أو زمانية و إن يبدو موضوع التبني في العموم مهما ومتعلقا بالإنسان في كل زمان ومكان الا أن طريقة الطرح في هذا العمل بدت سطحية وبسيطة و مستهلكة ... وغابت عنه كل أوجه التشويق أو ما يعرف بالحبكة الدرامية التي تضع عادة الشخصيات أو الشخصية الرئيسية في موقف استثنائي نسبيًا يقودهم نحو التعقيد، مما يؤدي إلى خلق سلسلة ممتدة من الأزمات والمصاعب، وصولًا إلى مرحلة الذروة الدرامية قبل أن تبدأ الأمور في الحل بشكل تدريجي. كل ذلك لم نجده في عمل «بورتوفرينا « الذي بدت أحداثه تسير في نسق أفقي واحد غلبت عليه الروتينية. و «بورتوفرينا» يسجل به ابراهيم لطيف عودته الى السينما بعد فيلمه الروائي الطويل «هز يا وز « سنة 2011 ومع هذه العودة أعاد معه الممثل الكبير محمد ادريس الذي غاب بدوره عن المشهدين السينمائي والمسرحي في تونس بعد أن اختار الاستقرار في فرنسا. لكن يبدو أن سيناريو "بورتوفرينا" أعاده الى السينما التونسية عبر عدسة لطيف. و إن نجح ابراهيم لطيف في هذا العمل في بعض الجوانب وأخفق في بعض الجزئيات الا أن أي عمل إبداعي- مهما كانت صفته- يعزز خزينة السينما التونسية ويعطي روحا جديدة للممثلين والمخرج والكاتب وفريقه التقني ويمتع الجمهور الذي يبدو أنه تصالح مع السينما التونسية التي لم تعد مناسباتية.