رغم أن العمل النقابي حق يكفله الدستور، إلا أن ما نلاحظه من فوضى، وشتائم وإساءة لحرمة التعليم من التلاميذ، يدفع إلى التساؤل حول من زج بأطفال لم يبلغوا بعد النضج الفكري والعاطفي في العمل «النقابي» وسط صراعات لا تستحي من استغلال «براءة» الصغار. خبراء يحذرون الكبار «تخلوا عن المسؤولية و«الأمانة»، وزجوا بالتلاميذ في النقابات والاحتجاجات، والعواقب خطيرة تونس الشروق: أصبح الوضع في المؤسسات التربوية اليوم أكثر من مشحون، وشديد الغرابة، فبين أساتذة يواصلون اليوم اعتصامهم في وزارة التربية يرفعون شعار الغضب، هناك من الشق الآخر تلاميذ يرفضون الدراسة ويقفون الند للند مع الوزارة والنقابات والأساتذة، يرفضون التعلم والانضباط، بعد أن تم الزج بهم في ما يسمى بالعمل النقابي. أطفال «نقابيون» ؟ «حان وقت الخروج من الصمت « ، لعبوا بينا كيما حبوا» ، و»لسنا مستعدين لنكون وقود المعركة»، شعارات وعبارات وضعتها صفحات تحمل اسم «نقابة التلميذ»، منها ما ينسب نفسه لاتحاد الشغل ومنها ما هو مستقل. كما تناقلت الصفحات الاجتماعية أخبارا عن تلاميذ بمدارس مختلفة يحملون شعارات تحتوي عبارات سب وشتم للأساتذة والنقابات والوزارة. ويبدو أن الأعمال الاحتجاجية للتلاميذ التي كان منطلقها الاحتجاج على التنظيمات النقابية للأستاذة وإيقاف الدروس والامتحانات، قد اتخذت أشكالا نقابية، لكن من طرف تلاميذ من المفروض أنهم أطفال «ابرياء» لا يجب الزج بهم في العمل السياسي والنقابي. وقد وضع تلاميذ الشارات الحمراء في أحد المعاهد بالقيروان وحملوا في أقسامهم الشارات الحمراء احتجاجا على تردي الأوضاع بالمدرسة العمومية. لكن ولئن اعتبر البعض هذه الحركة حضارية ودخول في مدرسة الديمقراطية إلا أن أحداثا أخرى تبعث على التساؤل حول من يزج بالتلاميذ في أعمال نقابية. وعلى عكس ما يتم تداوله من أن مسألة نقابات التلاميذ قد تم البحث فيها منذ تولي الدكتور سالم الأبيض لوزارة التربية، فإنه وخلال حديث خاطف له مع الشروق نفى أن يكون هذا الموضوع قد تم تداوله في فترته أو البحث فيه. في المقابل كان وزير التربية « فتحي جراي » في نهاية سنة 2014 قد تحدث خلال اشرافه على تدشين مقر المركز الوطني لتكنولوجيا التربية ردا على سؤال تعلق بمقترح احداث نقابة عامة للتلاميذ، أنّ وجود نقابة عامة عاشرة تابعة للوزارة لا يمثل اشكالا ولاضيرا في ذلك. ودعا في السياق ذاته التلاميذ إلى ضرورة احترام دروسهم التي اعتبرها مقدسةوضرورة المحافظة على كل المكاسب والمعدات الموجودة في المعاهد وأنه يجب التعبير عن أرائهم والاحتجاج بصفة سلمية وواعية وفي اطار الاحترام، كما بين أن الوزارة ليست الجهة المخولةبإسناد رخص احداث النقابات. تلاعب بالأمانة «لا وجود لهيكل واضح نقابي يتبع اتحاد الشغل أو الوزارة يسمى بنقابة التلاميذ» هذا ما أكده السيد رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء الذي اعتبر أنه من المسيء أن يتم الزج بالتلاميذ في الصراعات فالمفروض أن التلميذ مؤتمن وهو أمانة بأيدي الأولياء والمجتمع المدني والحكومة والنقابات للدفاع عنه وأنه من المؤسف أن يتم الدفع به للإساءة بنفسه وخسارة مستقبله. في المقابل اعتبر أن العمل الاحتجاجي والتعبير هو حق وأمر جيد ومشرف للمجتمع. وتأسف من أن يتحول الاحتجاج التلمذي إلى ضرورة ويزج به البعض في خانة النقابة مما يفرز انعكاسات سلبية، فهي اشبه بمداواة للمرض بمرض آخر. وحذر من وجود أطراف أخرى تزج بالتلاميذ في هذه الصراعات وهو ما اعتبره قلة مسؤولية من المؤتمنين على مستقبل التلاميذ من أولياء وغيرهم، فعندما يغيب الأولياء عن القيام بمسؤولياتهم ويستقيل المربي عن اعتبار التلميذ الحلقة الأساسية في العملية التربوية تكون النتائج وخيمة. وقال إن زجهم وتوظيفهم غير مقبول وأنه من المؤسف إجبار التلاميذ على خسارة مستقبلهم وأنفسهم والتلاعب بهم. والواضح أن صراعات الغضب بين التلاميذ والأساتذة متواصلة هذه الأيام في فترة تحتاج فيها البلاد إلى العقلاء الذين يبعدون مستقبل الأجيال عن صراعات «الكبار»، ويؤمنون بال»الأمانة». الدكتور حبيب تريعة (دكتور في علم النفس الاجتماعي) نقابات التلاميذ وسط الفوضى خطر وسلبيات صحيح أن العمل النقابي هو حق مشروع ومفيد وقد انطلقت الدول المتقدمة في إدخاله لدى تلاميذ الثانوي والإعدادي من خلال إحداث خلية في كل معهد، لكن وفي المقابل علينا أن نقر بأن إنشاء العمل النقابي في وسط فوضوي بلا قوانين وتوجد فيه التجاذبات والصراعات سيفرز نتائج سلبية أكثر منها إيجابية. وقد يؤدي إلى دمار مستقبل التعليم خاصة مع استغلال غياب النضج النفسي والتوتر الاجتماعي. في المقابل يجب أن نشدد على أن ممارسة العمل النقابي من التلاميذ ليس بالأمر الخاطئ. فقد اقتربت بحكم عملي من العمل النقابي في المؤسسات التربوية في فرنسا. وما نلاحظه هو أنه وفي بلد تسود فيه القوانين، يكون العمل النقابي مساهما في تكوين شخصية التلاميذ وفي تعويدهم على الدفاع على حقوقهم والتصدي لما من شأنه أن يضرهم. ولكن هذا العمل مؤطر وتتم متابعته ومبني على أسس لا تتعدى على حقوق الأطفال وتستغل سنهم. في أوروبا نجد خلية في المدارس لتأطير التلاميذ. والعمل النقابي ليس عملا مهمشا بل له قوانين تراعي سن التلاميذ وخاصياتهم النفسية والاجتماعية في هذه المرحلة من عمرهم. وتعمل على خدمة مصالحهم. وهو عادة تأطير نافع للتلميذ ويعطيه رؤية ومنهجية مما يقلص الأخطاء والأضرار ويمكنه من حقوقه مع التأكيد على واجباته وأخلاقيات المدرسة. مما يساهم في النضج الفكري وإنارتهم. أما في تونس وفي ما يخص التعليم والمدارس، فقد أصبح الموضوع خطيرا، خاصة مع غياب التأطير وغياب الإطار التعليمي والمسؤولية والقوانين وتغليب مصلحة التلميذ. وهو ما أفرز وجود تلميذ «ضائع» وسط غابة من الوحوش. ما نلاحظه اليوم هو أنه ليست هناك مدارس مهيأة، كما هناك غياب للمبادئ والقواعد الأولية في العملية التربوية. من هذا المنطلق يصبح إحداث نقابات في هذا الوسط الفوضوي مسألة حساسة، حيث ستكون ردة فعل التلميذ سلبية. ويمكن أن يصبح العمل النقابي في هذا الوسط منطلقا لرفض التعليم والقوانين وأخلاقيات المدرسة وضوابطها، وبالتالي ستزيد الفوضى في التعليم. لقد خلقت الفوضى في التعليم عصابات يمكن أن تستغل التلميذ بكل الأشكال. وأصبحت الفوضى تنبت كل شيء، فبعد أن ضربت المدرسة والعائلة وصورة المربي يمكن أن يحدث التسيب مزيدا من الفوضى والبشاعة. ما يمكن أن نخلص إليه هو أنه وفي وسط الفوضى لا يمكن أن نزرع عملا نقابيا، لأنه لن يكون ممنهجا ويمكن أن تقف وراءه أطراف، ولن يكون مؤطرا، وهو ما يمكن أن يعطي سلبيات أكثر منه ايجابيات. في المقابل العمل النقابي التلمذي في وسط مؤطر وفيه القوانين والمبادئ، يفرز وضعا سليما ويساهم في النضج الفكري للتلاميذ. محمد بن فاطمة (خبير في التربية) تدمير للتعليم والمجتمع وأجيال المستقبل ما رأيكم في زج التلاميذ في العمل النقابي ؟ - نلاحظ تحركات التلاميذ والزج بهم في العمل النقابي والاحتجاجات. لكن ليس من المعتاد ان التلاميذ في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي ان ينخرطوا في النقابات، فالمفروض أن الاحتجاجات والمطلبية هي مسألة موكولة للمجتمع المدني والجمعيات والأحزاب والحكومة والأولياء. والمفروض أن يقوم البالغون وهذه الأطراف بتوفير المناخ السليم والمتزن و الذي يتسم بالأريحية حتى يتمكن التلميذ من تلقي دروسه والقيام بدوره في التعلم واكتساب المهارات وتلقي الدروس والمعلومات الادبية والعلمية. وهذا هو الطبيعي في مثل هذه الفترة من عمر التلاميذ الذين لم يكتسبوا بعد النضج الفكري والعاطفي وهم في مرحلة التعلم والتكوين. ولكن علينا أن نطرح السؤال ما هي الجهات التي تقف وراء بث الفوضى بين تلاميذنا؟ وما هي نوعها وأهدافها؟ وكيف يمكن ان تقوم بذلك. من واجبنا اليوم أن نحافظ على التلاميذ وعلى المعلمين المساهمة في توعيتهم حتى لا ينجرفوا في ما يضرهم، ولا بد من البحث في هذا. فلا يجب أن تتحول المؤسسة التربوية إلى مؤسسة سياسية. فالمؤسسات التعليمية دورها تربوي وتعليمي أولا. والعمل النقابي بين التلاميذ ليس من الظواهر الإيجابية بل هي مسألة سلبية و مدمرة. ما هي التداعيات التي يمكن أن يحدثها تكوين نقابات بين التلاميذ في مثل هذه الفترة ؟ نتساءل أية أجيال سنصنعها بزرع نقابات تلمذية غير مؤطرة وهمجية في وسط هذه الفوضى. المسألة خطيرة ونحذر من تداعيات حينية وأخرى على المستوى البعيد والمتوسط. من المؤسف أن ينشغل التلاميذ في فترة لم يكتسبوا فيها التوازن النفسي والعاطفي والفكري بمسائل تهم حرية التعبير على حساب الدراسة، ودون اكتساب مهارات ومبادئ الاحترام والانضباط في الوسط التعليمي. من المؤسف أن نربي التلاميذ على الصراعات السياسية وجعل مسألة التعلم واكتساب المهارات الأساسية مسألة ثانوية. فمن المبكر أن يمارس التلاميذ العمل السياسي في فترة الإعدادي والثانوي. فهو وقت الدراسة. ندعو المنظمات في المجتمع المدني والجهات الرسمية إلى أن ينظروا الى الامر بعين الجد من اجل اعادة الاشياء إلى المسار الطبيعي، فما يحدث اليوم هو مسار غير طبيعي. علينا إرجاع الأمور إلى نصابها وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته سواء من مجتمع مدني أو نقابات أو حكومة بعيدا عن التلاعب بالتلاميذ، وعلينا ارجاع الأمور إلى نصابها. ونحن باسم الجمعية الوطنية للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التعليمية مستعدون للقيام بحوارات لتلافي الوضعية. فهناك خيط رقيق بين الحرية والفوضى الهدامة. علينا أن نحذر ممن يتحدث عن استغلال التلاميذ في الصراعات السياسية، فهذا ما يؤثر سلبا ويدمر التعليم والمجتمع. 00 1 الف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة ويلتحقون بالشوارع سنويا 891 ألفا و900 عدد التلاميذ بمرحلتي التعليم الاعدادي والثانوي 151 ألف مدرس في تونس 14792 حالة عنف مادي صادرة عن التلاميذ في 2017 و7392 حالة صادرة عن الأستاذ مليونان و 121 ألف تلميذ في تونس