يجهل المتقاضون في تونس ان كل المتدخلين في المنظومة القضائية يعملون في ظروف لا يمكن للإنسان العادي تحملها والحديث هنا عن القضاة وكتبة المحاكم الذين يعالجون يوميا آلاف الملفات... تونس (الشروق) يتذمر التونسي من بطء التقاضي ومن طول فترة انتظار الفصل في القضايا. والحقيقة ان لا علم له بعدد القضايا التي يتولى القاضي الواحد معالجتها يوميا. وحسب إحصائيات وزارة العدل، ينظر القضاة في تونس يوميا بمعدل وطني يساوي 15 ملفا لكل واحد منهم. وعليه فإنه من الصعب الفصل في هذا العدد الهائل من القضايا بشكل عادل دون أن يحدث بطء في اتخاذ القرار الذي يحفظ مصالح المتقاضين. الى ذلك تسبب ارتفاع معدلات الجريمة في تونس في هذا الضغط الذي يتعرض اليه القضاة وكتبة المحاكم وحسب وليد حكيمة الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن العمومي، فان معدّل الجريمة ارتفع بنسبة 20.9 في المائة خلال سنة2018 كما تمت إثارة 106 آلاف قضية خلال النصف الأول من عام 2018 مقابل 88 ألف قضية خلال النصف الأول من سنة 2017. اي ان عدد قضايا الحق العام فقط التي تنظر فيها مختلف المحاكم التونسية يناهز المائتي الف قضية سنويا. وفي علاقة بالقضايا المدنية فان القضاة يفصلون سنويا في ما يقارب الخمسين الف قضية في حين بلغ عدد قضايا الطلاق تقريبا ال17 الف قضية و50 ألف قضية تتعلق بإصدار صكوك دون رصيد. خارطة مهزوزة... بين الطموح السياسي في تقريب المرفق العدلي من المواطن وبين الإمكانيات المتوفرة لدى المجلس الأعلى للقضاء، ثمة بون شاسع. هذا الواقع أقره الرئيس السابق للمجلس، حاتم بن خليفة، في حديث له يعود إلى سنة 2017 لما كشف ان معضلة النقص في عدد القضاة تعود إلى إحداث محاكم جديدة كل سنة دون أن ترافق ذلك عمليات انتداب تحقق التوازن بين عدد المحاكم وعدد القضاة. وعليه فان عددا هاما من القضاة يتولون شؤون عدد من الدوائر الموزعة على كامل تراب الجمهورية بما يتطلبه ذلك من تنقل ومعالجة الملفات. من جهته، أكد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، الهادي القديري، في لقاء انتظم بمؤسسة التميمي في سنة 2018 ان صعوبة انتداب قضاة جدد وتكوينهم وتطوير منظومة التشريع وحسن إدارة المحاكم بما يضمن توفير الضمانات الضرورية للمحاكمة العادلة يقف وراء تباطؤ التقاضي مؤكدا على أن النقص في عدد القضاة يعطل حسن سير 15 محكمة استئناف تم إحداثها خلال الفترة الماضية. ولإيجاد حلول بديلة، تعول وزارة العدل على التكنولوجيات الحديثة التي تمكن المتقاضين من العبور إلى الخدمات العدلية بسرعة. من ذلك تلك الاتفاقية الممضاة بين الوزارة ووزارة تكنولوجيات الاتصال التي تهدف الى تطوير المنظومة المعلوماتية والرقمنة في المجال القضائي والمبادرة الفورية بتكوين فريق عمل مشترك بين الوزارتين يتكفّل بإعداد ومتابعة تنفيذ مشروع تركيز نظام معلوماتي مندمج وتحقيق الربط بين مكونات المنظومة القضائية.وتشتمل المنظومة القضائية في تونس على 147 محكمة بين محاكم ناحية وابتدائية واستئناف وتعقيب إضافة إلى القضاء العسكري والإداري وأخرى متخصصة في الطفولة والشغل. بنية تحتية مهترئة... ان كان النقص في عدد القضاة يشكل عائقا أمام السير العادي للمرفق العدلي فان الوضع السيئ للبنية التحتية يشكل سببا آخر ساهم في الشلل الذي عليه المنظومة اليوم. وفي تصريح له لجريدة الشروق أكد رئيس النقابة الوطنية لاعوان وإطارات العدلية حطاب بن عثمان ان المواطن لا يعلم شيئا عن الأوضاع المهينة التي يعمل فيها كتبة المحاكم .وقال ان تهرّؤ البنية التحتية وغياب الصيانة للمباني والتجهيزات باتا خطرا حقيقيا يهدد سلامة الموظفين والكتبة داخل المحاكم التونسية مطالبا وزير العدل بالتعجيل في فتح مفاوضات مباشرة مع النقابة لإيجاد حلول لهذه المشاكل واكد بن عثمان في تصريحه لجريدة الشروق بأن النقابة تحتفظ بحقها في استعمال كافة الوسائل النقابية التي يكفلها القانون لتحقيق مطالب منظوريها. ويبلغ عدد كتبة المحاكم في تونس 6000 عون واطار. وطالب بن عثمان بضرورة التعجيل باجراء الاصلاحات الضرورية في علاقة باوضاع كتبة المحكمة وخاصة في مستوى التكوين معتبرا ان الوقت قد حان لاحداث مؤسسة لتكوين الكتبة على غرار المعهد الاعلى للقضاء. واوضح بن عثمان ان الاوضاع المادية والاجتماعية لكتبة المحاكم لا تساهم في النهوض بالمرفق العدلي. واوضح بن عثمان ان « غالبية اعوان العدلية هم في غالبيتهم من حاملي الشهائد العليا اضطرتهم الظروف الاجتماعية الى القبول بوظيفة تتطلب مستوى تعليميا أقل بكثير من الشهائد التي تحصلوا عليها. لذلك يتضاعف الشعور بالظلم لدى غالبية الموظفين العاملين في هذا السلك الحيوي فإضافة الى ضعف الاجور وانسداد آفاق الترقيات، يصب المتقاضي عادة جام غضبه على الكتبة العاملين في مختلف محاكم الجمهورية وباقي مصالح وزارة العدل باعتبار انهم اول من يتولون شؤون المواطنين ويتعاطون مع قضاياهم المختلفة ليصل الامر الى حد اتهامهم بالفساد والرشوة وهو«ما يؤلم» الاف العاملين في هذا السلك». مضيفا «على غرار القضاة فانه بات ملحا احترام المقاييس الدولية في تحديد اجور كتبة المحاكم واطارات وزارة العدل صونا لكرامتهم واحتراما لذاتهم المهنية وحماية للمنظومة القضائية برمتها». وكشف الكاتب العام ان" الأجر الذي يتقاضاه كاتب المحكمة لا يتجاوز ال 640 دينارا وهولا يتماشى وحجم المهمة النبيلة المنوطة بعهدته والتي تتطلب منه العمل في بعض الاحيان الى ساعات متاخرة من الليل لذلك فان الاوضاع المهنية الهشة لكافة موظفي السلك تستدعي اليوم تدخلا عاجلا من سلطة الاشراف لا فقط من اجل رد الاعتبار لسلك يؤمن حسن سير المرفق العدلي بل كذلك لحماية المنظومة القضائية برمتها من محاولات بعض المتقاضين استغلال الاوضاع الاجتماعية المتردية للعاملين في هذا القطاع وجرهم الى الفساد. اذ ان كتبة المحاكم مهددون في اي لحظة بالملاحقة القضائية والتتبعات العدلية على الشبهة بل وثمة من الزملاء من تعرض الى مظالم انتهكت كرامته جزافا». أرقام ودلالات 200 ألف قضية ينظر فيها القضاء 450 ملفا شهريا للقاضي الواحد 640د راتب كاتب محكمة