إلى أين يمضي الدينار التونسي بعد سنوات من الانزلاق وتدني قيمته؟ ما هي الأسباب المباشرة والعميقة لتدهور الدينار وما هي التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لذلك، واية حلول يمكن طرحها اليوم للحدّ من هذا التدهور؟ تساؤلات كثيرة أثارها خبراء في الشأن الاقتصادي والمالي خلال ندوة نظمتها جمعية "دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى" حول" انزلاق الدينار، الأسباب والتأثيرات السلبية على الاقتصاد والحلول الممكنة". الانهيار... إلى متى؟ وقال الدكتور عاطف بن عامر إنّ تداعيات انزلاق الدينار لا تخفى على أحد وهي تمسّ المواطن والمصدّر والمورّد فضلا عن تفاقم عجز الميزان التجاري، مما أدى إلى نزيف في احتياطي العملة الصعبة حتى أصبحنا نتحدث عن 88 يوم توريد. واعتبر بن عامر أنّ ذلك يؤثر على النفقات العمومية ويسبب ارتفاعا في أسعار المواد المستوردة، وأنّ هذا الوضع يستدعي تفكيرا جديا في إيجاد حلول عاجلة للأزمة. وتحدث الدكتور في علم الاقتصاد معز العبيدي عن الانزلاق الحاد الذي شهده الدينار التونسي خصوصا من 2014 إلى 2018 معتبرا أن الوضعية محرجة للبنك المركزي، لأنه وجد نفسه امام خيارين إما الدفاع عن الدينار والحدّ من انهياره وبالتالي يتراجع مخزون العملة الصعبة، وهذا مؤشر سلبي للاقتصاد، أو الحفاظ على مخزون العُملة وهذا سيُسبب تراجع الدينار بنسق أقوى. وأشار العبيدي إلى انعكاس تدهور الدينار على ميزان الدفوعات وعلى التضخّم، وعلى المالية العمومية، حيث ترتفع كلفة توريد المواد الأساسية او البترول وبالتالي يكبر حجم الديون وتتراجع نوايا الاستثمار. وأكد العبيدي أن هناك ثلاثة عوائق أدت إلى هذا الانهيار الكبير للدينار، وهي سياسة اليد المرتعشة وسطوة اللوبيات، من رجال الأعمال الذين أغرقوا السوق بسلع مستوردة غير ضرورية ومن نقابات رفعت سقف المطلبية الشعبية، أما العائق الثالث فهو الشعبوية لدى بعض الأحزاب السياسية تلعب دورا سلبيا في هذا السياق، وقال إنّ المطلوب اليوم تجاوز هذه العوائق الثلاثة حتى يتعافى الدينار. واعتبر العبيدي ان تدهور القدرة الشرائية للمواطن ليس مردها التضخم فحسب، بل إن سببها يعود أساسا إلى تدهور الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم، موضحا أنّ 30 % من مدخول العائلات التونسية يتم صرفه في الدروس الخصوصية والخدمات الصحية، وأكد تبعا لذلك أن المطلوب اليوم إصلاح الخدمات العمومية حتى يتم الاستغناء عن المصاريف الذي أثقلت كاهل المواطن. خطر التضخم واعتبر مدير عام السياسة النقدية بالبنك المركزي سابقا محمد الصالح سويلم أنّ اكبر خطر يتهدد تونس بعد الإرهاب هو التضخم المالي، موضحا أنّ التضخم يعني ارتفاعا في الأسعار وبالتالي تدهور القدرة الشرائية ومن ثمة حصول الاضطرابات الاجتماعية والمطالبة بالترفيع في الأجور وهذا يخلق مناخا من عدم الاستقرار بالنسبة إلى المستثمر الذي سيُحجم عن الاستثمار حين يجد اضطرابات اجتماعية أو نسبة تضخم عالية لأن الأفق أمامه غامض. وأكد سويلم أنّ العُملة الوطنية رمز من رموز السيادة الوطنية، وأنّ المهمة الموكولة للبنوك المركزية في الدول المتحضرة هي المحافظة على استقرار الأسعار، وهذا ما ينص عليه الفصل السابع من القانون الأساسي الذي أحدث البنك المركزي، وتمت مراجعته في 2016، لأن استقرار الأسعار يساهم في استقرار العملة الوطنية. وأوضح سويلم أنّ المفارقة اليوم أنّ الدولة تجد نفسها أمام إكراهات فتدهور القدرة الشرائية يفضي حتما إلى المطالبة بالزيادة في الأجور، معتبرا أن على المؤسسات الدولية المالية منها وغير المالية ان تأخذ في الاعتبار الظرف الانتقالي وأن تساعد تونس في اتخاذ إجراءات استثنائية تتماشى مع هذه المرحلة الاستثنائية حتى تنفرج الأمور. وأبدى الخبير المالي تفاؤلا بهذا الشأن قائلا إنّ تونس إذا تجاوزت هذه المرحلة الانتقالية فهي قادرة على العودة إلى نسق نمو مرتفع لأنّ اقتصادها أثبت قدرة كبيرة على الصمود رغم الصدمات الكبيرة التي مرّ بها.