إن الأخلاق هي أساس قوة الأمم والشعوب وسّر تقدمها وبقائها وإذا تدبرنا القرآن الكريم وجدناه يدعو إلى مكارم الأخلاق ويعتبر التحلي بها من علامات الإيمان الكامل كما اعتبر العلماء أن من علامات حسن الخلق في الإنسان أن يكون كثير الحياء قليل الأذى صدوق اللسان قليل الكلام كثير العمل برّا شكورا حليما ولا يكون لعانا ولا سبّابا ولا حقودا.... لقد امتدح الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال فيه (وإنك لعلى خلق عظيم)(القلم:4) إن ما تعانيه كثير من المجتمعات اليوم من أزمة خطيرة في القيم والأخلاق والتخلي عن الدين قد أفرز اختلالا في التوازن بين الروح والجسد وسيطرة للنزعة المادية على الإنسان وتحرّره من الضوابط القيمية. إن التحلل من القيم الأخلاقية أصبح علامة فارقة للمجتمعات الغربية التي هتكت الأستار وعرّت الإنسان وتجاوزت في إباحيتها كل وصف وأصبح الجنس يمارس بين المحارم والشواذ باسم الديمقراطية والحرية الفردية وأضفت هذه المجتمعات على هذه العلاقات الشاذة الشرعية القانونية ممّا دفع بكثير من الناس وخاصة من الشباب إلى الضرب بالأخلاق والقيم عرض الحائط والتمرّد على الأعراف والتقاليد والانغماس في عالم الرذيلة والمخدرات والفجور مما أصبح يهدد الأسرة بالانهيار والتفكك ويقضي على قيم مثل الحياء والستر والتآلف والرحمة والعطف وكل الضوابط الروحية التي تحفظ الإنسان من الوقوع في الأخطار التي تهدد حياته ككائن اجتماعي. فللأخلاق دورها الريادي في تحقيق سعادة البشرية، فمجتمع بلا أخلاق هو كشجرة بلا أوراق سرعان ما يتعرّض للهزات والأزمات فتؤثر فيه تأثيرا مدمرا يؤدي به إلى ضعف نسيجه الاجتماعي وتآكله وإصابته بكثير من الأمراض والآفات الخطيرة وهذا ما حذرنا منه الإسلام وسعى إلى حماية المجتمع منه فحرّم الزنا واللواط والسحاق ونظّم الغريزة الجنسية فدعا إلى إشباعها في إطار شرعي عن طريق الزواج (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء32). كما دعا إلى التوسط والاعتدال بين الجسد والروح والأخذ بالدنيا دون نسيان الآخرة ونهى عن الفساد والإفساد بكل أنواعه المادية والمعنوية:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) (القصص77) ولذا كان من مهمات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ترسيخ الأخلاق الفاضلة في النفوس وبناء المجتمع الإسلامي القوي الذي يستمد أخلاقه وقيمه من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة. قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) البيهقي. إنّ التعري والتبرج والانحلال الخلقي سلوكيات خطيرة تدعو إلى الفجور وليست مقياسا للتقدّم والرقي كما يعتقده البعض بل هو مرتبط بأهواء النفس ونوازعها الشريرة وبالشيطان ووسوسته. قال النبي (الحياء من الإيمان والإيمان من الجنّة والبذاء من الجفاء والجفاء من النار) الترمذي. ذلك أنّه إذا ذهب الحياء جاء الشرّ وأوّل ما يصيب الشرّ الأسرة التي نبت فيها الغرس الخبيث ثم يمتدّ إلى المجتمع فالأخلاق هي الدين بكل ما فيه وليست خارجة عنه أو زائدة عليه في قليل أو كثير وتقدّم الشعوب لا يقاس بمدى قوتها العسكرية والاقتصادية فقط بل أيضا بأخلاقها وقيمها وتمسكها بالسلوك الحضاري القويم،