رغم أن صورة التونسي التي تم بناؤها في فترة ما بعد الاستعمار هي شخصية «كريمة» لها أنفة وكرامة، إلا أن الحديث عن مساعدات من الخارج لفقراء ومحتاجين تونسيين أثارت غضب أصحاب الكرامة، فتونس أولى بفقرائها وبمساعدتهم. تونس (الشروق) أثارت الصورة التي تم تداولها من جمعية قطر الخيرية عن المحتاجين في تونس غضب التونسيين. وهو ما عبروا عنه في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أظهر الإعلان أن التونسيين يحتاجون إلى إعانات مع ارتفاع موجة البرد شتاء، من خلال عرض صورة لامرأة مُسِنَّة تحت عنوان "تحت الصفر". صورة وصفها نشطاء ال»فايس بوك» والشارع التونسي بأنها تحمل الكثير من الإهانة لكل التونسيين. ورغم أن الجمعية القطرية اعتذرت وسحبت الصورة، إلا أن الضرر المعنوي قد حصل. تونس التضامن ؟ لعل الحادثة تعيد إلى الأذهان أسئلة حول التضامن في تونس، وإن كانت تونس في حاجة إلى «مزايا» وإهانات المساعدات الأجنبية. فالمفروض أن التضامن هو واجب بين التونسيين في ما بينهم أولا. وحول سبل التكافل والتضامن ومساعدة الفقراء في تونس وأسباب عدم القدرة على «الاستعفاف» من طلب المساعدة من الآخرين، رغم أن بعض المساعدات مع بعض الدول مثل الجزائر حملت طابع الأخوة لا «الاستعلاء». فصحيح أن رقعة الفقر قد اتسعت، بنحو 30 بالمائة خلال السنوات الأخيرة حسب دراسة للمركز الاقتصادي والاجتماعي. وتشير معطيات المعهد الوطني للإحصاء أن 1,7 مليون فقير فيما تعدى عدد الفقراء ما تحت خط الفقر 300 ألف. وتشير المعطيات التاريخية القريبة إلى صور تضامن التونسيين بين بعضهم البعض لا سيما في عدد من الكوارث والمآسي مثل الفيضانات وموجات البرد، فرغم أن الفقر ليس بالجديد على المجتمع التونسي إلا أن ما كان يميز المواطنين هو حس التضامن العالي في ما بينهم. حيث عادة ما تتميز فترات الجفاف أو الكوارث الطبيعية بالالتفاف بين مكونات المجتمع. ويمكن إرجاع سبب التغيرات في الممارسة التضامنية إلى التأثر بالجانب السياسي. حيث تطرح الأسئلة حول حقيقة ما تقدمه النخب السياسية من نماذج في تقديم المساعدة للتونسي الذي يستحق. وهو ما تحدث عنه عدد من خبراء علم النفس والاجتماع. وكان مجلس النواب قد أثار في اجتماع له مسألة إنشاء صندوق لل»فقراء» عوضا عن صندوق للكرامة الذي يقدم التعويضات للعفو التشريعي العام. وتقدر مساهمة الدولة في هذا الصندوق بحوالي 10 مليارات حسب تصريح وزير المالية. وقد تصاعدت الاقتراحات بتحويل هذه الأموال إلى العائلات الفقيرة، باعتبار أن هذه هي الكرامة الحقيقية. وهو ما يعطي براهين على احترام الدولة لشعبها وتحترم إنسانية فقرائها والمحتاجين، عوضا عن تلقي المساعدات من الخارج أو تراجع الكرامة. إعانات ملغومة ؟ كان تبادل التهم حول الإعانات الخارجية وارتباطها بمصالح خارجية في مناسبات كثيرة من أحزاب متعددة.ففيما تشكك أحزاب النداء في مساعدات خارجية مصدرها قطر وتربطها بعلاقة حزب النهضة بهذه البلاد، كانت هناك مساعدات سابقة من بلدان أخرى شككت أحزاب النهضة والمؤتمر في مصدرها. ومنها مساعدات تتمثل في كميات من الأغطية والمواد الغذائية وآلات التدفئة لمساعدة التونسيين المتضررين من الظروف المناخية الصعبة التي تعرضت لها مناطق مختلفة نتيجة موجة البرد سنة 2015، والتي كانت من مصر. واعتبر الدائمي وقتها أنها «تصدق بمؤن منتهية الصلاحية» وأنها تهدف الى نسيان ما يحدث في غزة. فيما أشارت مصادر أخرى إلى شبهات تحوم حول المساعدات الإنسانية من الخارج والتي قد تكون وراءها أهداف أخرى سياسية أو إيديولوجية. ويقدر حجم الهبات التي تتلقاها البلاد حسب بعض التقارير بحوالي 4 مليارات دينار. وهي عادة ما تستند إلى اتفاقيات مع الدول. كما لا توجد أرقام رسمية تحدد حجم المساعدات الأجنبية التي تتلقاها البلاد مما يثير أكثر من سؤال. وهو ما تحدثت عنه مصادر خبيرة متعددة. فيما تشير مصادر أخرى، إلى أن أهم من يقدم الهبات والمساعدات إلى تونس بدرجة أولى هو الاتحاد الأوروبي. وتليها دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية و الصين واليابان. أما في ما يتعلق بالدول العربية فنجد قطر في مقدمة الدول التي تسند الهبات والمساعدات المالية الى تونس، إضافة إلى مساعدات وهبات هامة من تركيا. وتزيد هذه الهبات من أسئلة تتعلق بكرامة التونسيين والاستقلال الاقتصادي والسياسي للبلاد وعن كيفية حفظ كرامة الشعب وصورة البلاد في الخارج. منير الحاجي (المدير العام للاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي) سننهي الفقر لو توحدت المجهودات هل تعتقد أن تونس في حاجة إلى مساعدات من الخارج؟ ليس هناك دولة ليست في حاجة الى المساعدات الاجتماعية لا سيما أوقات الكوارث والأزمات. فتونس أرسلت مساعدات الى غزة واليابان في 2012 و2013. فكل البلدان تستحق المساعدة. ونحن نحتاج الى الدعم في التقلبات المناخية الكبرى. فلا ننسى أن نسبة الفقر لدينا كبيرة. لكن في المقابل علينا أن نعرف أنه لو توحدت كل المجهودات سنسيطر على الفقر.وسنتمكن من الوصول إلى كل العائلات الفقيرة. لكن يبقى أن كل الدول تحتاج الى المساعدات في التقلبات المناخية وفي الفيضانات والزلازل. فالمسألة ليست مرتبطة بالقوة الاقتصادية. وفي حالة تونس احتجنا إلى المساعدات الدولية في مقاومة موجة البرد لا سيما في المناطق الحدودية. وكانت بعض الإعانات في إطار المنظمات الدولية مثل الهلال الاحمر، وبعض الجمعيات التي لها اتفاقيات دولية، إضافة إلى مساعدات المجتمع المدني. هل فقد التونسي حسه "التضامني"، مما فتح طريق المساعدات الخارجية ؟ ما نلاحظه هو أنه ليس هناك توحيد للمجهودات بين المجتمع المدني والدولة فلكل طريقة منفردة في العمل. والحل هو في توحيد المجهودات نحو الفئات الأكثر فقرا وتهميشا. وللأمانة فالشعب التونسي يثبت التضامن والتكاتف في كل محنة. وخير دليل الكارثة في نابل والخسائر في الأرواح والممتلكات. وكانت الهبة كبيرة رغم غياب استراتيجيات مقاومة الأزمات. ورصدنا المساعدات بالوعود والتنفيذ بنحو عشرة مليارات. ما هي أبرز المساعدات التي قدمتموها في موجة البرد هذا العام ؟ المبلغ الجملي المرصود سيكون في حدود 4 ملايين دينار، بعد أن كان في حدود 3 مليارات دينار وذلك بفضل زيادة من رئاسة الحكومة. وهناك 10 آلاف أسرة معنية بمساعدات البرد. وقمنا بتركيز الإعانات خاصة في المناطق الأكثر عرضة للبرد، مثل باجة والكاف والقصرين، وسليانة وجندوبة. ويشمل البرنامج الوطني لمجابهة البرد الذي انطلق منذ ديسمبر. ويتواصل إلى موفى هذا الشهر. ويشمل 19 ولاية. ويتضمن توزيع 3 آلاف جهاز تدفئة كاملة بكل المعدات مع قارورة الغاز، و15 ألف غطاء من الصوف و134 طنا من المواد الغذائية وحوالي 200 الف قطعة ملابس شتوية وما يزيد على 17 ألف زوج حذاء. 4 مليارات دينار أو أكثر حجم الهبات التي تلقتها تونس منذ سنة 2011. 10 آلاف عائلة معنية بالمساعدات الاجتماعية 4 مليارات مخصصة للإعانات الاجتماعية في موسم البرد 19 ولاية تهمها المساعدات الاجتماعية 15 ٪ نسبة الفقر في تونس حسب وزارة الشؤون الاجتماعية 1694000 ألف تونسي يعيشون تحت خط الفقر و 320 ألفا تحت خط الفقر المدقع حسب المعهد الوطني للإحصاء 2015 - 2016 .