النص هو العمود الفقري للعمل المسرحي لكنه غائب اليوم في ما يقدم في تونس وهذا من بين أسباب تراجع المسرح التونسي لأن النص هو الذي يحمل الأفكار. تونس (الشروق) .يعد محمد عبازة من بين أهم الذين اهتموا بالتجربة المسرحية سواء من خلال جهوده في التأريخ للفعل المسرحي أو متابعاته النقدية أو تأطيره لرسائل التخرج والماجستير والدكتوره في الجامعة التونسية. في هذا الحوار يتحدث عن التجربة المسرحية التونسية : كيف ترى اللحظة الراهنة في المسرح التونسي؟ أرى أنّ المسرح التونسي في وضعية سيئة جدّا حتى لا أضع وصفا آخر أشدّ بؤسا وقتامة. منذ مدّة لم أر عرضا مسرحيا يشفي غليلي أو يشدّني إليه. كنت أراهن على طلبتنا من خرّيجي المعاهد المسرحية العليا سواء في تونس، وهو الأقدم، أو في الكاف، ولكنّني لاحظت اجترارا لما ردّده أساتذتهم إلاّ في بعض المحاولات المنعزلة هنا وهناك حاول فيها طلبتنا الإتيان بالجديد، وهي محاولات ارتأت خاصة توظيف الموروث الشعبي في العروض المسرحية. أتابع الساحة المسرحية منذ عقود ولكنّني راهنًا لا أرى اختراقا إبداعيا يكسّر السائد ويتخطّى الرائج ويتجاوز المتداول. يحسّ المتتبع عموما أنّ كل الأعمال يكرّر بعضها بعضا وطغى موضوع الإرهاب على كلّ المواضيع الأخرى وكأنّ كلّ قضايانا قد انحصرت في الإرهاب. مشاكلنا كثيرة وآلامنا عديدة وتساؤلاتنا ترهقنا ولا نجد لها جوابا. كلّ التونسيين يقولون إنّ البلاد متجهة إلى المجهول ولكنهم يصمتون أمام تقديم الحلول وفي مقدمتهم رجال المسرح. هل القضاء على الإرهاب هو الّذي سيحل كلّ مشاكل البلاد؟ لا أعتقد ذلك؟ طغى موضوع الإرهاب على المسرح وبدا التكرار في جلّ نتاجاته فانتفى الإبداع وساد المتداول ونضبت القرائح إذ أنّ المسرح التونسي كان يراهن سابقا على المسرح المخبري والجوائز الّتي يتحصّل عليها في المهرجانات العالمية. لم يعد هناك ما يلفت الانتباه لقد اختفى من مسرحنا الإبداع ولم يعد التونسيون يحصلون على الجوائز ذلك عهد قد انتهى وركن الجميع إلى الإتباع. جدل كبير تثيره في السنوات الأخيرة الهيئة العربيّة للمسرح ليس في تونس فقط بل حتى في الدول العربية، كيف ترى تكامل دورها مع الهيئات المحلية؟ لا أشكّ لحظة في أنّ الهيئة العربيّة للمسرح تقوم بدور إيجابيّ جدًّا إذ نكاد نجزم بأنها تقوم بدور مشجعي الآداب والفنون في العصور الوسطى (les mécènes) فهي لم تترك مهرجانا من المهرجانات العربيّة إلاّ وساهمت في تمويله زيادة عن مهرجانها الخاص الّذي تنظمه كلّ سنة في دولة عربية والذي يسمى المهرجان العربي للمسرح. موّلت الهيئة العربيّة للمسرح العديد من المهرجانات بالكامل من موريتانيا إلى فلسطين وهذا مجهود جبّار تُشكر عليه. اقتصر دورها على التنظيم والتمويل وتشجيع النشر من دراسات ونصوص وبعث جوائز للنصوص المسرحية سواء كانت موجّهة للكبار أو الناشئة أو الأطفال، كما قدّمت جوائز هامة للنقاد الشبان تشجيعا منها للحركة النقدية المسرحية رغبة منها في خلق جيل من النقاد الشباب يكونون قادرين على متابعة الحركة الإبداعية المسرحية في الوطن العربي. لا تستطيع الهيئة العربية للمسرح أن تقوم بكلّ شيء إذ أنّ الهيئات المسرحية المحلية مُطالبة بالتشجيع على خلق جيل من المسرحيين العرب كتابة وإخراجا وتمثيلا ونقدا وتدعمها الهيئة بإمكانياتها المادية والأدبية من خلال دفعها إلى المشاركة في كلّ المهرجانات المسرحية العربيّة أين يتمّ تبادل الخبرات والتجارب مع الأشقاء بل حتى مع الأصدقاء. تقع مسؤولية الإبداع على المسرحيين العرب وإمكانياتهم الذاتية وتتحمل الهيئات المحلية مسؤولية التأطير ضمن مهرجانات وتظاهرات فنية ثقافية وطنية وتتدخل الهيئة العربيّة للمسرح بثقلها المادي الّذي لم تبخل به على أيّ تظاهرة مسرحية في البلاد العربيّة وهو مجهود نشكرها عليه خاصة أنه يقدّم بدون شروط على المبدعين أو على المشرفين على المهرجانات. ولا أخفي سرا إذا قلت إنني حصلت على أكبر مكافأة في حياتي المهنية في خلال مشاركاتي في العديد من لجان التحكيم أو لجان القراءة كانت من الهيئة العربيّة للمسرح وهذه حقيقة ينبغي أن نقرّ بها. يكاد الكاتب ينقرض في المسرح التونسي بمعناه الكلاسيكي، هل يكون هذا سببا في ضعف المسرح التونسي؟ مثّل النص المسرحي هاجسا بالنسبة إليّ إذ أنني كنت ومازلت أردّد في الجامعة أو خارجها بأنّ النص المسرحي هو العمود الفقري للعرض إذ أنه هو الحامل للأفكار، ومسرح دون أفكار تهريج في تهريج. فالمسرح منذ نشأته عند اليونان (عرفناه عن طريق النص وليس عن طريق أيّ شيء آخر) كان يعلّم ويرفّه والتعليم لا يكون إلاّ للأفكار. وقع تهميش الكاتب المسرحي عندنا منذ مدة وتحديدا منذ أصبحت وزارة الثقافة تدعم العروض المسرحية في الإنتاج وتشتريها بعد إنجازها دون أن تشترط على مديري الفرق أن يكون الكاتب مستقلا والمخرج كذلك والسينوغراف مختلفا واختصاصي الملابس غيرهم والمسؤول عن الديكور يكون أيضا شخصا غير الّذين يقومون بالمهام المذكورة آنفا. وزارة الثقافة منعت تطور المهن المسرحية ومن جملتها الكاتب الّذي لم يُنتج لنا نصوصا نستطيع أن نكوّن بها ريبرتوار تعود إليه الفرق متى أرادت ذلك. يحاول كلّ مسؤول عن فرقة مسرحية أو كل منتج أن تبقى منحة وزارة الثقافة من ممتلكات المجموعة الضيقة من أفراد الفرقة (هذا إذا لم يكن بين الزوج وزوجته). غاب النص المسرحي عن مسرحنا بالرغم من محاولاتنا العديدة للمناداة بتشجيع كتّاب المسرح من خلال بعض الجوائز ونشر النصوص ومحاولة إخراجها من طرف الفرق المسرحية. وأذكر جيدا أنني كنت قد اقترحت على الأخ محمد إدريس عندما كان يشرف على المسرح الوطني أن يوجد جائزة للنص المسرحي ويشجع على نشر هذه النصوص ولم يلاق هذا الاقتراح الآذان الصاغية، كما اقترحت على الأخ محمد مختار الوزير عندما كان على رأس المركز الوطني لفنّ العرائس تخصيص جائزة لنص مسرح الطفل ومحاولة نشر ما أمكنه من النصوص المسرحية الخاصة بالأطفال حتى يستطيع الباحث أن يجد مدوّنة من النصوص يعتدّ بها لكن لا حياة لمن تنادي (كلهم يريدون التكوين في فن السرك والتمثيل وغير ذلك...). تأسست جمعية النقد المسرحي، ألا ترى أنّها خطوة مهمة في تأطير البحوث والدراسات النقدية الّتي تنقص المسرح التونسي؟ النقد جُعل أساسا لتقويم العرض المسرحي وتبيان النقاط الإيجابية والسلبية في أيّ حركة إبداعية وهو عبارة عن علاقة اتفاقية بين عنصرين هما المبدع والناقد ولكن في بلدنا نلاحظ خللا واضحا في هذه العلاقة فالمبدع التونسي لا يعترف بالناقد ولا بسلطته ولا يعترف بأيّ شيء إلاّ بإمكانياته الذاتية. المبدع في كلّ أنحاء العالم عندما يقدّم نفسه يبدأ بذكر أساتذته (voici mes maîtres) أما التونسي فيقول ها أنا ذا ولا أحد غيري. يعتبر النقد بشكل عام مهنة منبوذة (un métier ingrat) فأنا أجزم لك أننا لا نجد تمثالا يخلّد ناقدا مسرحيا أو أدبيا أو فنيا في أيّ مكان من العالم لذلك قلنا إنّها مهنة لا تجلب لصاحبها جزاء ولا شكورا. تكوّنت هذه الجمعية لتكون ناطقة باسم النقاد المسرحيين أي الّذين يتابعون النتاجات المسرحية على الساحة الوطنية وليس لتأطير البحوث والدراسات لأنّ ذلك مهمة الجامعة، إذ كما نعرف أنّ النقد هو متابعة لصيقة للإبداعات المسرحية وبالتالي أعتقد أنّها لن يكون لها تأثير كبير على الساحة المسرحية التونسية وسوف تكون هيكلا مفرغا من أيّ جدوى لأنّ المبدعين لا يعترفون بالنقاد والجامعيون كذلك. مراكز جهوية عديدة للمسرح تأسست كيف تقيّمها؟ أعتقد أنّ السؤال يتعلق بالمراكز الجهوية للفنون الدرامية وهي ظاهرة ملفتة للإنتباه لأنني أعتقد أنّ الفرق الجهوية الّتي وقع حلّها سنة 1992 يُعاد تأسيسها بشكل مغاير عن طريق تسمية جديدة هي المراكز الجهوية للفنون الدرامية والتي كان الهدف حسب باعث فكرتها الأولى الأستاذ محمود الماجري أنّها ستشجّع على اللامركزية المسرحية ولكنني سمعت ولست متأكدا أنه سيُبعث هيكل في مدينة الثقافة يشرف على هذه المراكز. وخلال مناقشات مع الأستاذ محمود الماجري عرفنا أنّ الهدف من بعث هذه المراكز في بدايتها هو تأطير الإنتاج الدرامي في الجهات وذلك من خلال توفير التجهيزات التقنية والفضاءات والإمكانيات المادية. أما الظاهر الّذي رأيناه في تعدّد إنشاء هذه المراكز أنّها انحرفت عن الهدف الأساسي وأصبح مديروها هم الّذين يقومون بالسيطرة على إمكانيات المركز إخراجا وإنتاجا ونادرا ما يسمح لغيرهم بالدخول لهذه المراكز إلاّ في بعض الحالات النادرة. ختاما أقول إنني أعتقد أنّ هذه المراكز لن تفيد المسرح التونسي لا تقنيا ولا جماليا. كتاب غمراسن جذور وأجنحة هل هو دَيْن عاطفي؟ يعتمد الجنوب الشرقي عموما على الثقافة الشفوية عكس الجنوب الغربي الّذي اختار ثقافة المكتوب لذلك أردت أن أسجّل وثيقة تعتني بجزء من هذا الجنوب الشرقي ألا وهي منطقة غمراسن الّتي كانت عاصمة لهذه المنطقة الجبلية. وهو كما ذكرت أنت يا صديقي هو نوع من الدّين العاطفي الّذي أردّه إلى مسقط رأسي الّذي أعشقه حتى لو شُغلت بالخلد عنه. هذا الكتاب أردته أن يكون عربون عشق أبدي لمدينتي الّتي ربطت اسمي باسمها ذلك الرباط المقدّس الّذي لن يقدر أحد على نزعه حتى الزمن عدوّي اللّدود... إنّه دين واعتراف وعشق ورباط مقدّس لغمراسن.