وتونس تحيي اليوم العالمي للحق في الاضراب، تتباين الآراء بخصوص الإفراط في استعمال هذا الحق من جهة ومن جهة أخرى تلكؤ الحكومة في حسم الملفات في طور المفاوضات... تونس (الشروق) خرج الاتحاد العام التونسي للشغل منتصرا مرتين في أزمته مع الحكومة فبعد نجاحه في الحصول على جميع مطالبه، نجح أيضا في إحراج الحكومة التي ماطلت لأشهر لتنتهي بالرضوخ في نهاية الامر ولقائل أن يسأل : لماذا أضعنا كل هذا الوقت والحكومة قادرة منذ البداية على حلّ الازمة؟ والاجابة عن هذا السؤال نجدها في الارقام والاحصائيات. فقد عدد أيام العمل الضائعة بسبب الاضرابات 116882 يوما خلال سنة 2018 مقابل 144564يوما في سنة 2017. ولا يتحمل الاتحاد العام التونسي للشغل مسؤولية هذه الخسائر فالحكومة لم تحسن التصرف في المفاوضات مع المنظمة النقابية لتكبد الدولة هذا العدد الهام من أيام العمل. تاريخيا يعود أول إضراب الى 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث أشهر حكام الفراعنة. وبدأ استخدام كلمة «إضراب» في اللغة الإنجليزية سنة 1768، عندما عمل بحارة في لندن على شل حركة السفن في الميناء، تعبيرا عن تأييدهم لمظاهرات انطلقت في نفس المدينة من ناحية التشريعية فان الدستور المكسيكي، كان أول دستور في العالم يضمن الحق القانوني في الإضراب وذلك سنة 1917. وفي تونس يعود أول اضراب في تونس الى سنة 1904 ونفّذه عمّال النقل ضد شركات الاستعمار الفرنسي المختصة في نقل الفسفاط خاصة. فيما يعود اول اضراب شهدته تونس الى 10 نوفمبر 1949 والذي نفذه عمال الفلاحة بسوق الخميس أي مدينة بوسالم حاليا. وطبعا كان اتحاد الشغل بقيادة الزعيم الراحل فرحات حشاد اول الداعمين لهذا الاضراب الذي دام اربعة اشهر ليكون بذلك احد اطول الاضرابات التي عرفها العالم. أطاح بحكومات... لا يعد الاضراب فقط اداة للضغط على المؤجر أوالحكومات من أجل الزيادة في الاجور وتحقيق بعض الامتيازات الشغلية بل وكذلك سلاحا تمكنت بفضله الشعوب من اسقاط الانظمة السياسية وحتى احداث تغييرات جوهرية في أنظمة الحكم وهوما حدث في فرنسا التي شهدت في شهر ماي 1968 حدثا نقل فرنسا من عصر الى عصر آخر. وبات يطلق على احداث 1968 اضرابات ماي التي عصفت بنظام حكم ونقلت فرنسا والعالم باسره الى مرحلةأخرى. جاء في موقع اضاءات «من المفارقات الدالة هنا أن حراك ماي 1968 بدأ بحوادث صغيرة جدًا مقارنة بالشعارت التي رُفعت بعد ذلك. ففي إحدى الليالي الباردة في جانفي 1968، في جامعة نانتير الفرنسية، سأل الطالب دانييل كوهين بندت، الفرنسي من أصل يهودي، الوزير الذي أتى في زيارة رسمية إلى الجامعة، عن قداحة لإشعال لفافة تبغ يدخنها. لم يكن التمرد واردًا في الحسبان أبدًا في عقل الطالب الفرنسي الذي تصرّف بشكل عفوي بعدما رأى القداحة في يد الشخص المعني، مما أربك الوفد الرسمي للدولة. إلا أن رد فعل الوزير والوفد المصاحب له حينما حاولوا إبعاد الطالب كان دافعًا لتطور النقاش أكثر، حيث سَأل الطالبُ الوزيرَ عن مشاكل الشباب الجنسية، فرد عليه الوزير بأن يقذف نفسه داخل الماء البارد، وأن مشاكل الشباب الجنسية لا تعني وزير الشباب في شيء! تطوّر هذا الحادث الصغير على الرغم من تقديم الطالب دانييل كوهين اعتذارًا مكتوبًا إلى الوزير خشية الفصل من الجامعة، ليتحول إلى أوسع حراك احتجاجي شبابي تشهده أوروبا والولايات المتحدة والعديد من دول العالم، وأكبر إضراب عُمالي تشهده فرنسا طوال تاريخها الحديث» وفي تقييمه لهذا الحدث الذي شكل اهم اضراب شهده القرن العشرين، يقول دانييل كوهين بندت احد ابرز قادة هذا الاضراب «إن الحركة التي حدثت في ماي 1968 كانت حركة عالمية، وعملية تحديث للمجتمع يقودها جيل ما بعد الحرب. فهذا الجيل رأى أن الذين عاشوا الحرب لديهم رؤية منغلقة بالكامل بالنسبة للعالم والمجتمع والأخلاق، منغلقة لدرجة العجز عن طرح المستقبل، ولهذا السبب الوحيد حدث الانفجار… كنا نقول في ماي 1968 إن المستقبل ملك لنا، فنحن أفضل بكثير من الجيل السابق، وما يزعجنا هو عدم فهمه لأي شيء… كنا نقول اتركونا نقوم بعمل الأشياء، اتركونا نصوغها وسيكون ذلك أفضل. وبالطبع في إطار هذه الطريقة لرؤية الأشياء، لم يكن المستقبل يخيفنا». وان كان هذا ما حدث في فرنسا فان جميع الاضرابات التي خاضها الشباب في تونس من اجل تغيير المجتمع والقضاء على الظلم ونيل الكرامة انتهت في ايدي الشيوخ الذين يواصلون التصرف في جيل بأكمله وكأنهم أوصياء عليه.