لم يسبق أن أثار قرار اتخذه البنك المركزي سابقا حالة غضب واحتقان لدى التونسيين كتلك التي أحدثها قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية. قرار يعتبره البنك المركزي «ضروريا». بينما يرى فيه التونسيون «تدميرا» لما بقي من مقدرتهم الشرائية. تونس الشروق: واجه قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية «هجمة» شرسة من كل الأطراف تقريبا، مؤسسات اقتصادية ومنظمات وطنية وخبراء اقتصاد ونقابيين ونواب بالبرلمان وسياسيين وموظفين وناشطين في مختلف القطاعات وعموما كل المتعاملين بآلية القروض البنكية.. إجراء كان مفاجئا وفي توقيت وصفه الجميع بغير المناسب، بالنظر إلى تزامنه مع تدهور كبير للمقدرة الشرائية للتونسيين مع مرور الفاعلين الاقتصاديين بصعوبات مختلفة. فالترفيع في نسبة الفائدة المديرية يعني بالنسبة الى المواطن الترفيع في تكاليف القروض التي يحتاجها لمعيشته. ويعني بالنسبة الى المؤسسة الترفيع في تكاليف القروض ( وفي تكاليف الإنتاج) التي تحتاجها الى بعث استثمارات جديدة أو الى توسيع استثماراتها وخلق مزيد من مواطن الشغل. وهو ما قد يؤدي الى تراجع نوايا الاستثمار والى ارتفاع أسعار المنتوجات والى تواصل ارتفاع البطالة وغياب التنمية. وكان البنك المركزي التونسي قد أعلن مساء الثلاثاء الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة لتصبح 7 فاصل 75 % عوضا عن 6 فاصل 75 %. وهو الترفيع الثالث في ظرف عام بعد ترفيع أول في مارس 2018 وكان بنسبة 75 نقطة أساسية (من 5% إلى 5,75 % ) ترفيع ثان في جوان الماضي من 5 فاصل 75 % إلى 6 فاصل 75% ، علما أنها المرة السابعة التي يلجأ فيها البنك المركزي الى هذا الإجراء منذ سنة 2012 بعد أن كانت في حدود 3 فاصل 5 % سنة 2011. مبررات ..لكن.. يبرر البنك المركزي اللجوء إلى هذه الآلية بضرورة فرملة القروض البنكية قصد التحكم في نسبة التضخم (في ارتفاع الأسعار). وهو ما ذكره محافظ البنك المركزي أمس في ندوة صحفية. فكثرة القروض (قروض الاستهلاك) تشجع على رفع الاستهلاك. وهو ما يؤدي الى ارتفاع الأسعار حتما عندما يكثر الطلب (يكثر الاستهلاك). كما يبررها أيضا بضرورة مزيد حماية سعر صرف الدينار. لكن على صعيد آخر، لا يقبل التونسيون هذه التبريرات بسهولة. ويرون أنها مجرد «غطاء» من الحكومة من أجل حماية التوازنات المالية للدولة على حساب المقدرة الشرائية للمواطن وعلى حساب التوازنات المالية للمؤسسات الاقتصادية ودون بذل أدنى مجهودات أخرى للضغط على ارتفاع الأسعار ولحماية سعر صرف الدينار. إذ لا يكفي الترفيع في كل مرة في نسبة الفائدة المديرية ( 3 مرات في العام) دون العمل بصفة فعلية وواقعية على دعم القدرات الاقتصادية والمالية للبلاد لأنها الكفيلة وحدها بتحقيق تلك الأهداف. البنك المركزي يتحمل تقصير الحكومة يقول خبراء الاقتصاد إنه ما كان للبنك المركزي أن يلجأ الى هذا الإجراء لو لم تكن الحكومة مقصرة في القيام بواجباتها في منع ارتفاع نسبة التضخم (ارتفاع الأسعار) وفي حماية سعر صرف الدينار. ومن أبرز هذه الواجبات المحاربة الفعلية والصارمة للاقتصاد الموازي الذي ألحق أضرارا كبرى بالمؤسسات الوطنية الناشطة في إطار القانون والتي أصبحت مهددة بطبعها نتيجة المنافسة غير النزيهة من المواد المهربة أو المقلدة محليا.. وكان بالإمكان تفادي اللجوء الى هذا الإجراء أيضا لو وقع اتخاذ إجراءات حقيقية وجريئة من أجل الترفيع في نسق الإنتاج الوطني في كل المجالات والتشجيع على ثقافة العمل ومنع تعطيل الإنتاج ( أبرزه تعطيل الانتاج في قطاع الفسفاط مثلا) وخاصة الرفع من قدرات القطاعات القادرة على إعادة الروح الى سعر صرف الدينار. وهي القطاعات التي توفر العملة الصعبة على غرار التصدير والسياحة وعائدات التونسيين بالخارج والحدّ في المقابل من الواردات غير الضرورية .. فالتصدير يعاني اليوم من مشاكل هيكلية حقيقية أبرزها غياب التشجيع الحقيقي على التصدير (غياب العناية بالجوانب اللوجيستية المشجعة على التصدير - الحالة الكارثية في الموانئ والمطارات - الاجراءات الادارية والديوانية المعقدة امام المصدرين وارتفاع التكاليف وعدم العناية بالقطاع الفلاحي الذي بامكانه تحقيق ارقام قياسية في تصدير المنتوجات المحلية..). وهو ما ينطبق ايضا على القطاع السياحي الذي لم توجد إلى حد الآن لدى الدولة نية حقيقية لتطويره مقارنة مثلا بدول أخرى أصبحت مرجعا في السياحة على غرار المغرب وتركيا ودول أخرى.. وكان البنك المركزي قد نبه سابقا الى هذه المخاطر ووجه دعوة الى كل الاطراف بما في ذلك الحكومة من أجل تطوير وحماية النشاط الاقتصادي خاصة التصدي لنسبة عجز الميزان التجاري ورفع طاقة الانتاج وتطوير التصدير والسياحة والفلاحة.. ما هي نسبة الفائدة المديرية؟ نسبة الفائدة المديرية Taux Directrice هي نسبة الفائدة التي يتعامل بها البنك المركزي عند توفير السيولة المالية اليومية للبنوك التجارية حتى تقوم بدورها بإقراض المؤسسات أو الأفراد. وتختلف نسبة الفائدة المديرية عن نسبة فائدة السوق المالية TMM وهي النسبة التي توظفها البنوك التجارية لاستخلاص قروضها من المؤسسات والأفراد. وهذه النسبة TMM ترتفع كلما ارتفعت نسبة الفائدة المديرية وبالتالي فإنه من المنتظر أن ترتفع في الأشهر القادمة النسبة الجملية للفوائد التي تستخلصها البنوك من حرفائها الحاصلين على قروض. ويعتمد البنك المركزي على آلية الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للتحكم في معدل إسناد القروض من البنوك التجارية الى حرفائها. فالبنك سيجد نفسه من جهة مضطرا الى دفع نسبة فائدة مرتفعة للبنك المركزي وبالتالي سيقلص من نشاط إسناد القروض والحريف سيجد نفسه أيضا مضطرا الى دفع نسبة فائدة أرفع كلما حصل على قرض فيتراجع عن اللجوء إلى البنك للاقتراض. ومن الناحية الاقتصادية تستعمل البنوك المركزية في كل دول العالم هذه الآلية للتقليص من نسبة حصول المؤسسات أو الأفراد على القروض وذلك للتحكم في نسبة التضخم (للتحكم في ارتفاع الأسعار). ذلك أنه إذا كانت نسبة الفائدة منخفضة سيقبل كل حرفاء البنوك على الحصول على قروض. وسيقع إنفاق هذه القروض في الاستهلاك اليومي العادي بطريقة مكثفة وبالتالي سترتفع الأسعار (وفق قانون العرض والطلب، فعندما يكون الطلب مرتفعا على المنتوجات ترتفع الأسعار). لذلك لا تجد السلطات النقدية في الدول من حل للتخفيض في الأسعار إلا عبر فرملة الطلب وذلك من خلال فرملة القروض. كما تستعمل هذه الآلية أيضا للرفع من سعر صرف العملة المحلية. أرقام ودلالات 7 فاصل 75 بالمائة هي نسبة الفائدة المديرية. من 0 فاصل 3 إلى 0 فاصل 5 بالمائة هي نسبة الارتفاع المتوقعة للقسط الشهري لخلاص القروض حسب الجامعة العامة للمالية والبنوك. 15 بالمائة هي نسبة الزيادة المتوقعة في كلفة القروض بالنسبة للمؤسسات حسب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة. 11,2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي هي نسبة العجز الجاري خلال سنة 2018 مقابل 10,2 بالمائة سنة 2017. وهذا له تداعيات مباشرة على انزلاق الدينار التونسي.