رغم كل الوعود والتطمينات السابقة من الحكومة إلا أن الوضع الاقتصادي يواصل السير نحو منطقة الخطر. يحصل ذلك وسط تساؤلات لدى الرأي العام حول أسباب عجز الدولة بكل مكوناتها عن الإنقاذ. تونس – الشروق: ما ذكره محافظ البنك المركزي أول أمس في مجلس نواب الشعب كان بمثابة ناقوس خطر حقيقي للتنبيه من تداعيات ما قد يحصل في الفترة القادمة على الصعيدين الاقتصادي والمالي في البلاد والذي قد يبلغ حد افلاس الدولة وبلوغ الاحتقان الاجتماعي ذروته. فقرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية الذي اتخذه البنك المركزي مؤخرا لم يكن إلا تحت ضغوطات الوضعية الاقتصادية والمالية الصعبة للدولة وكان الهدف منه انقاذ ما يمكن انقاذه قبل مزيد استفحال الأرقام والمؤشرات وامتصاص «تقصير» الدولة . قرار حتمه تواصل انهيار سعر صرف الدينار وتواصل تراجع مخزون العملة الصعبة وتواصل المنحى التصاعدي لنسبة التضخم (ارتفاع الاسعار) لتبلغ 7 فاصل 1 بالمائة في جانفي وارتفاع نسبة العجز الجاري. ثقافة العمل أحد أبرز الاسباب هو ضعف الناتج الوطني الخام اي ما تنتجه الدولة من ثروة في مختلف المجالات. هذا التراجع كان نتيجة التراجع الملحوظ لثقافة العمل في البلاد وضعف مردودية وانتاجية العامل والمؤسسة في القطاعين العام والخاص. فكم من إدارة وكم من مؤسسة أو شركة عمومية وكم من مؤسسة خاصة أصبحت رهينة تعطيل الانتاج بسبب الاضرابات العشوائية ورهينة الغيابات المتكررة ومغادرة مواقع العمل قبل الوقت المحدد والتهاون في العمل دون أن ننسى أن المؤسسة نفسها تكون أحيانا سببا وراء ذلك بسبب ضعف التأجير مثلا أو عدم توفير الظروف الملائمة للعمل.. واردات .. وصادرات السبب الآخر هو ارتفاع عجز الميزان التجاري نتيجة ارتفاع الواردات (التي تستنزف العملة الصعبة) وضعف الصادرات (التي تمثل اهم مورد للعملة الصعبة). وهو ما يدفع إلى التساؤل عما بذلته الدولة خاصة في الأعوام الاخيرة من أجل قلب الصورة لتصبح الصادرات أكثر من الواردات. فالدولة مازالت مترددة في ما يتعلق بالحد من الواردات «غير الضرورية» ومازالت خاضعة لضغوطات لوبيات التوريد الذين يرفضون المساس بمصالحهم دون اعتبار للمصلحة الوطنية. ومازالت أيضا غير حاسمة في ما يتعلق بالتشجيع اكثر ما يمكن على التصدير في ظل تواصل ضعف التشجيعات وتنامي التعطيلات الادراية وضعف المنظومة اللوجيستية (مثلا حالة الموانئ). عجز طاقي على صعيد آخر يتواصل تردد الدولة وغياب الجرأة لديها لمعالجة أزمة الطاقة.. فعجز الميزان الطاقي (الناتج عن ارتفاع تكاليف توريد الطاقة الى درجة غير مسبوقة) أصبح احد أبرز اسباب عجز الميزان التجاري بشكل عام. وكل ذلك لان الدولة لم تعمل على ترسيخ «ثقافة» الطاقات البديلة (الطاقة الشمسية – طاقة الرياح) التي أصبحت ملاذ كل دول العالم تقريبا رغم ما يتوفر في بلادنا من قدرات كبرى. والسبب هو تواصل خضوع الحكومة لضغوطات الرغبة في مواصلة احتكار انتاج الكهرباء من قبل «الستاغ» عبر الطرق التقليدية المكلفة جدا (باستعمال الغاز المستورد) وهو ما يستنزف مبالغ طائلة من العملة الصعبة.. الاقتصاد الموازي في السنوات الاخيرة بدت الدولة أيضا ضعيفة وهشة ومفتقرة للجرأة والشجاعة لمعالجة ظاهرة الاقتصاد الموازي الذي أصبح مصدر انهاك كبير للاقتصاد المنظم. فالمبالغ المتداولة خارج الاطار المهيكل أصبحت تناهز 4 مليار دينار وفق محافظ البنك المركزي وهو ما يؤثر على مردودية المعاملات الاقتصادية العامة. حيث يتسبب ذلك في ضعف الاداء الجبائي، لان الموازي لا يدفع الضرائب، وفي ضعف السيولة المالية الرسمية لدى البنوك، لان أموال الاقتصاد الموازي لا تمر عبر البنوك، وفي ضعف الاستثمار الحقيقي، لان تلك الاموال لا يستثمرها اصحابها في المشاريع التنموية الحقيقية التي توفر مواطن الشغل وتقدم إضافة للاقتصاد الوطني بل يقع تبييضها في المشاريع «الجامدة» أبرزها العقارات. استثمار يظهر عجز كذلك الدولة في عدم القدرة على خلق مناخ حقيقي للاستثمار يكون قادرا على استقطاب المستثمر الوطني والمستثمر الأجنبي وذلك بسبب عجزها عن حل معضلة البيروقراطية الادارية (المعطل الحقيقي للاستثمار) وعن إيجاد توازن بين منح التشجيعات والامتيازات وبين التزام المستثمر بتوفير مواطن شغل وتقديم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد. وهذا دون ان ننسى ايضا عجز الدولة عن توفير مناخ للمبادرة الخاصة من أجل بعث مشاريع صغرى ومتوسطة (التي أصبحت العمود الفقري للاقتصاد في مختلف الدول). فلاحة وسياحة وأسعار تبدو الدولة عاجزة ايضا عن تطوير القطاع الفلاحي نحو قطاع منتج يحقق الاكتفاء الذاتي ويساهم بالانتاج الوفير في الضغط على الاسعار ويرفع من قيمة الصادرات الوطنية. كما تبدو عاجزة كذلك عن تطوير القطاع السياحي نحو قطاع متنوع قادر على استقطاب اكثر عدد من السياح من أجل رفع مخزون العملة الصعبة. وهي عاجزة ايضا عن احكام السيطرة على منظومة السوق، ما فسح المجال امام انتشار مظاهر الاحتكار والمضاربة (عبر استعمال آلية التخزين في «الفريقوات» التي تدعمها الدولة من اموال المجموعة الوطنية فعادت عليها بالوبال)، وهو ما ألهب الاسعار فارتفعت بذلك نسبة التضخم.. ضعف الخدمات العمومية في كل دول العالم، تكون جودة الخدمات العمومية ابرز مشجع على تطوير ثقافة العمل وعلى تطوير مردودية العامل، لكن في تونس اصبحت ابرز مُعطّل للعمل. فالدولة لم تتمكن مثلا من معالجة جذرية لقطاع النقل وللبنية التحتية للطرقات وللسكك الحديدية حتى يتنقل الناس في ظروف مريحة نحو اماكن العمل ونحو الجهات الداخلية للاستثمار فيها. والدولة لم تنجح في الارتقاء بالمنظومة التربوية وبمنظومة التكوين لتتلاءم مع حاجيات الاقتصاد، ولا نجحت في اصلاح المنظومة الصحية العمومية حتى يجد العامل الرعاية الصحية المطلوبة التي تمكنه من تطوير قدراته في العمل ولا وفرت له الظروف الملائمة للعيش الكريم في منطقته عبر العناية بالبنية التحتية وبالنظافة. حلول إعادة ثقافة العمل والصرامة في تطبيق القانون تجاه كل من يعطل بأي طريقة الانتاج أو التطوير الاقتصادي إيجاد حلول تقنية لاستقطاب الاقتصاد الموازي نحو الاقتصاد المنظم. تحسين وتطوير الخدمات العمومية التشجيع على الطاقات البديلة الضرب بقوة على أيادي المحتكرين والمضاربين مزيد التشجيع على الاستثمار خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة اصلاح الفلاحة لتكثيف الانتاج وتطوير التصدير تنويع المنتوج السياحي تنظيم التوريد ومزيد التشجيع على التصدير