كشف سمير بالطيب وزير الفلاحة عن إعدام 450 شتلة زيتون مهربة في نطاق تحصين تونس من بكتيريا الزياتين التي أثارت مخاوف الفلاحين في الآونة الأخيرة مؤكدا أن تونس تعتمد نظام رقابة قوية. لكنها تلتزم اليقظة الكاملة إزاء سائر الأمراض الحيوانية والنباتية. تونس الشروق: كما أكد في حوار شامل مع "الشروق" أن تونس ليس لها أي تعهد مع الجانب الأوروبي في ملف التبادل الحر الشامل مشيرا إلى أن عدة نقاط خلاف لم تحسم بعد. وبدد من جهة أخرى المخاوف من نقص الحليب والبيض في شهر رمضان. فيما أكد على وجود إصلاحات شاملة لقطاعي الألبان والدواجن.والحوار الذي تناول أيضا آفاق توسع غابة الزيتون وحظوظ تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب والأعلاف بدأ بهذا السؤال: تعيش الساحة الفلاحية حالة هلع في خضم تعمق المخاوف على مصير غابة الزياتين بعد ظهور بكتيريا كسيلا لافستيد يوزا XYLELLA FASTIDIOSA في جنوبإيطاليا. كيف تعاطت السلطات التونسية مع هذا الخطر؟ يجدر التذكير بأن ظهور هذه البكتيريا في جنوبإيطاليا يعود إلى 2013. وهو ما فرض آنذاك وضع خطة وطنية للتوقي من تنقلها إلى تونس. وتم تدعيمها منذ ديسمبر 2017 بفرض إجراءات مشدّدة على توريد المشاتل والنباتات منها إخضاع هذه الأخيرة للمراقبة مدة ثلاث سنوات متتالية بعد التوريد إلى جانب اعتماد نظام الترخيص المسبق وخلال الثلاث سنوات الأخيرة تم إخضاع نحو 7 آلاف عينة من مشاتل الأشجار ونباتات الزينة للتحليل المخبري الذي أثبت سلامتها باستثناء ثلاث عينات تم إتلافها بالحرق. لكن الذاكرة الفلاحية لم تتعاف بعد من كارثة «اللفحة النارية» التي دمرت غابة الإجاص. وكان سببها بكتيريا دخلت إلى تونس عبر الإجاص المورد بشكل عشوائي. وهو ما يؤكد أن خطر تسرب بكتيريا الزياتين يظل مطروحا بقوة في مسالك التهريب؟ ينبغي أولا التأكيد على أن تونس ليست معزولة عن محيطها. فنحن نعيش في عصر العولمة وانفتاح الأسواق. كما يتواتر من حين الى آخر بروز الأمراض الحيوانية والنباتية في المنطقة المتوسطية.. ومن ثمة فإن الحيلولة إلى حد الآن دون دخول بكتيريا الزياتين وعدة أمراض أخرى يعني أن تونس تعتمد نظاما قويا في مجال الصحة الحيوانية والنباتية على حد سواء. ومع ذلك فإن لجنة فنية تضم كل الأطراف هي تقريبا في حالة انعقاد دائم ورفع المزيد من العينات حتى نواصل تحصين تونس ضد بكتيريا الزياتين.. لكن ينبغي التأكيد في المقابل على ضرورة ملازمة اليقظة وتفعيل دور الفلاح خاصة من خلال الامتناع عن اقتناء المشاتل من المسالك الموازية علما أن هذه الأخيرة أو بالأحرى منظومة التهريب تخضع بدورها للرقابة. وهو ما أفضى في السنوات الثلاث الأخيرة من ضبط وإتلاف ستّة آلاف من المشاتل المختلفة منها 450 شتلة زيتون جاءت من الجزائر.فالمخاوف مشروعة ونحن نتقاسمها مع الفلاح.. ولكن لسنا مكتوفي الأيدي. ما دمنا في سياق الزياتين أظهرت التجربة أن زيت الزيتون اضطلع في السنوات الأخيرة بدور حيوي في التقليص من حدة الصدمة التي تلقاها الدينار التونسي بسبب تفاقم العجز التجاري.. وهذا يدفع الى التساؤل لماذا لا تتم مضاعفة مساحة الزياتين القادرة على تحقيق عائدات بأضعاف موارد السياحة؟ الحكومة وضعت منذ نحو عامين مخططا لتوسيع صابة الزياتين عبر غراسة عشرة ملايين شجرة إضافية أساسا في جهة الشمال. وهو ما مكّن إلى حد الآن من غراسة 25 ألف هكتار. ونحن حريصون على مواصلة هذا المجهود بالتركيز خاصة على غراسة الزيتون بالمناطق المرتفعة. لكن هذه الخطة اصطدمت بشحّ مشاتل الزيتون في السوق؟ في خضم العودة القوية لغراسة الزياتين عرفنا العام الفارط ضغطا كبيرا على المشاتل تزامن مع تحجير توريد مشاتل الزيتون من الخارج.. لكن تدريجيا تجاوزنا هذا الوضع بفضل المجهود الاستثنائي الذي مكن من توفير 7 ملايين شتلة زيتون محلية. وهو ما جعل مخطط توسيع غابة الزياتين يتقدم بشكل ملحوظ. وهو ما يرجح أن معدل التصدير خلال الأعوام القادمة لن يقل عن 200 ألف طن في العام. بلغت عائدات تصدير زيت الزيتون العام الفارط قرابة مليارين من الدنانير.. فكيف يلوح هذا العام؟ بالفعل شهدنا العام الفارط نتائج استثنائية من خلال تصدير قرابة 220 ألف طن.. وفي المقابل ننتظر هذا العام تصدير 150 ألف طن في خضم تراجع "الصابة" إلى مابين 120 و150 ألف طن.. لكن كما ذكرت منذ حين فإن توسع غابة الزياتين سيجعلنا لا ننزل مستقبلا تحت عتبة 200 ألف طن. في خضم تعمق أزمة الميزان التجاري يعود السؤال بقوة لماذا تعتمد الحكومة أسعارا مغرية لتشجيع الفلاحين على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب والأعلاف أو بالأحرى إحياء «مطمور روما»؟ الحكومة واعية بالأهمية البالغة للاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب. وعلى هذا الأساس رفعنا العام الفارط في أسعار القمع من الفلاحين. لكن الوضع الراهن للمالية العمومية لا يسمح بتقديم تشجيعات أكبر.. ومع ذلك حرصنا على توظيف كل الامكانيات لتشجيع الفلاحين ومن ذلك أن القروض الموسمية بلغت هذا العام 23 مليون دينار مقابل معدل 7 ملايين دينار في الأعوام الأخيرة.. كما أننا بصدد تثمين الظروف المناخية للموسم الحالي خاصة بتسهيل النفاذ الى مادة الأمونيتر في خضم الصعوبات التي فرضها توقف النقل الحديدي لهذه المادة من قابس إلى مناطق الشمال.. علما أننا سجلنا هذا العام إقبالا هاما على زراعة الحبوب من خلال تجاوز المساحات المبذورة مليونا و300 ألف هكتار... كما حققنا مكسبا هاما في الموسم الفارط من خلال ارتفاع الكميات المجمعة إلى 60 ٪ من "الصابة" مقابل 50 ٪ سابقا. في نفس الإطار تشهد منظومة الأعلاف مشاكل بالجملة منها استفحال المضاربة بمادة السداري وكذلك غياب منتوج وطني يعفي مربيي الدواجن من توريد القطانيا والصوجا.. كيف تتعامل الوزارة مع هذا الملف؟ ككل الأنشطة الفلاحية تأثرت منظومة الأعلاف بتداعيات ثلاث سنوات متتالية من الجفاف. وهذا ما ولّد ضغوطات على مادة السداري وبروز المضاربة التي تصدينا لها في المدة الأخيرة من خلال تدابير مشددة لإحكام توزيع الأعلاف وأساسا السداري مع التأكيد في المقابل على أهمية الدور الموكول الى المربين من خلال مقاطعة المضاربين. أما بخصوص أعلاف الدواجن فهناك عدة مشاريع بصدد الانجاز لدعم طاقة الانتاج الوطنية علما أن منظومة الأعلاف بشكل عام شهدت تحولا هاما في العام الفارط من خلال الاقبال الهام على زراعة «الفُول» بعد إدماج هذا الأخير في قائمة المنتوجات المقتناة من قبل ديوان الحبوب للتشجيع على زراعة هذه المادة. على ذكر قطاع الدواجن تشهد السوق مفارقة غريبة. وهي سياسة لي الذراع التي تنتهجها المذابح عبر المربين لفرض زيادات متتالية في أسعار البيض ولحم الدجاج.. رغم أن القطاع يخضع لنظام برمجة الانتاج الذي يعطي ضمنيا للإدارة سلطة ضبط الأسعار.. والسؤال الذي يطرح هو لماذا لا يتم تحرير الانتاج؟ تحرير الانتاج جربناه بعد 2011. وأدى إلى شبه انهيار القطاع منذ عامين لأن حسابات الانتاج التي ضبطت على أساس وجود سوق ليبية هامة انهارت بمجرد أن توقف الطلب من ليبيا. وهو ما ألحق أضرارا فادحة بالمنتجين. ومن ثمة فإن المنظومة برمتها أعيد بناؤها في العامين الأخيرين بالعودة إلى نظام حصص الانتاج.. لكن يجب الإقرار في المقابل ببروز مسعى لدى المنتجين الى زيادة الأرباح لتعويض الخسائر الفادحة للسنوات الأخيرة رغم وجود معطى موضوعي لا يجب إغفاله. وهو انعكاس الانزلاق السريع للدينار التونسي على كلفة انتاج الدواجن.. وبالتالي فإننا نحرص على تعميق وعي المهنة بأهمية ترشيد الأرباح... كما توجد مؤشرات على عودة السوق الليبية قريبا. ألا تعتقد أن الحلقة المفقودة في تضارب المصالح بين المحولين والمنتجين والمستهلك في قطاعي الألبان والدواجن هو محدودية أفق التصدير نتيجة ضعف الجودة الذي يجعل منتوجاتنا لا تروج في السوق الأوروبية؟ بالفعل، وجود آفاق واسعة في التصدير سيجعل منظومة انتاج الألبان والدواجن لا تتعرض الى الأزمات سواء الفائض الذي يضر بالمنتجين أو نقص الانتاج الذي يربك أوضاع السوق.. وهذا ما نحرص على تحقيقها أولا بمزيد هيكلة العلاقات بين المنتجين والمحولين.. ودفع القطاعين نحو إبداء أهمية بالغة لجولة المنتوج.. بل إنه بالنسبة إلى كل فروع الانتاج الفلاحي نحرص على أن يجعلوا من زيت الزيتون والتمور مثالا للارتقاء بالجودة.. فجودة زيت الزيتون التونسي جعلته يروج في 85 دولة فيما توزع تمورنا في 65 بلدا وبالتالي هناك مجهود كبير يجب أن يبذل لرفع جودة سائر المنتوجات الفلاحية على غرار الألبان واللحوم والدواجن. لكن في خضم أزمات الحليب والبيض في المدة الأخيرة بدأت تلوح مخاوف حول التزويد بهذه المواد الأساسية في شهر رمضان؟ لا خوف على شهر رمضان حيث برمجنا تخزين 50 مليون بيضة توفر منها إلى حد الآن 25 مليونا فيما دخلنا فعليا في موسم الذروة لانتاج الألبان. وهو ما سوف يؤمن التزويد العادي للسوق بهذه المادة.. علما أن شهر رمضان سوف يشهد تنوعا في الغلال والخضر.. كما سوف نلجأ إلى توريد كميات تعديلية من اللحوم استنادا إلى مؤشرات الانتاج المحلي في تلك الفترة. نأتي الآن إلى أكبر ملف يؤرق الفلاح التونسي وهو التوجه نحو تحرير الواردات الفلاحية في نطاق المفاوضات الدائرة مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق التبادل الحر الشامل «الأليكا» التي ستعرف جولة حاسمة في أفريل القادم؟ ليس هناك أي تعهد من تونس في 2019. وهو ما أكدناه في الاجتماع الأخير للجنة 5 زائد 5. بل أكثر من ذلك نحن بصدد تحسين شروط التفاوض مع الجانب الأوروبي على أساس التزام هذا الأخير بالمشاركة الفاعلة في تأهيل الفلاحة التونسية واعتماد فترة إمهال لا تقل عن 15 عاما.. كما أننا غير مستعدين للتوقيع على أي اتفاق في الوقت الراهن على خلفية وجود عدة نقاط خلاف يجب حسمها. فيما اتخذت الحكومة العام الفارط قرارا بتحجير توريد القلوب التركية في نطاق معالجة العجز التجاري الضخم مع تركيا لا يزال هذا المنتوج يتدفق بشكل عادي.. هل حصل تراجع عن هذا القرار؟ على العكس فعلى الصعيد الرسمي تونس ملتزمة بعدة قرارات اتخذت في نطاق مراجعة الاتفاق التجاري مع تركيا.. بما في ذلك تجميد توريد مادة القلوب البيضاء.. وبالتالي فإن تواصل تدفق هذه المادة يطرح في سياق التهريب.