لم يسبق للتونسيين أن عاشوا فترة متقلبة كالتي يعيشونها اليوم. شعور عام بالمخاوف والهواجس بلغ في بعض الأحيان حدّ فقدان الثقة في الدولة عموما وفي السلطة والسياسيين على وجه الخصوص. أما الأسباب فمتعددة. تونس – الشروق لا يمر يوم واحد في تونس دون أن يشعر فيه التونسيون بحالة من التململ والاحتقان بسبب حادثة ما أو جراء حالة الفوضى التي أصبحت سائدة في عديد المجالات.. فمن الحوادث المختلفة إلى الفوضى في عدة قطاعات على غرار قطاع التربية والتعليم وقطاع الصحة وفي بعض الإدارات وفي الأسواق وعلى الطرقات وكذلك على المستوى الأمني، دون الحديث عن استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية للدولة وغلاء المعيشة بالنسبة للافراد. وفي كل مرة تُوجّه أصابع الاتهام بالضعف والهشاشة إلى الدولة وبعدم توفر الارادة والجرأة والشجاعة للاصلاح ولتطبيق القانون لدى الحكومة. فيما تُتّهم الطبقة السياسية بشكل عام بالافتقار الى آليات وقواعد العمل السياسي الحقيقي والسليم الهادف إلى تحقيق المصلحة الوطنية العليا بعيدا عن الانتهازية وعن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة. فوضى.. وإحباط عام هذه المظاهر المختلفة وغيرها كثير أصبحت تتضاعف من يوم إلى آخر بلا توقف وبلا آمال كثيرة لدى أغلب التونسيين في إمكانية توقفها أو في تحسن الوضع. وهو ما جعلهم يعيشون حالة من التململ اليومي. ويبلغ الأمر في بعض الأحيان حدّ ثم الاحتقان والاحتجاج . ويربط الأخصائيون الاجتماعيون هذه الحالة بما أصبح يشعر به كثيرون من إحباط ومن فقدان للأمل في تحسن الأوضاع بعد أن تغولت مظاهر الفساد والفوضى وسادت حالات عدم احترام القانون والمسّ من هيبة الدولة دون أن تظهر في الأفق بوادر تحسن الوضع. بلا آمال ولكن هذا الوضع هو نتيجة تراكمات الحكومات السابقة المتعاقبة التي كانت تحاول طمأنة الناس بأن الوضع سيتحسن في يوم ما. وهو ما أكدته خاصة الحكومة الحالية عندما ذكر رئيسها أن سنة 2018 ستكون آخر سنة «صعبة» على التونسيين. لكن اليوم وقف التونسيون على حقيقة معاكسة تماما. وهي أن سنة 2019 ستكون أصعب بكثير من سابقاتها. وذهب عديد المستشرفين إلى القول إن السنوات القادمة ستكون أصعب بكثير على عدة مستويات ما لم يقع اتخاذ الاحتياطات اللازمة. وكلّ ذلك بسبب عدم ظهور أية بوادر إلى حدّ الآن حول إمكانية تحسن الوضع وعودة بعض الأمور إلى نصابها خصوصا في ما يتعلق بالشأن المعيشي ( في ظل تواصل ارتفاع مختلف الأسعار) وبالشأن العام ( في ظل تواصل انتشار الفوضى والفساد وتغول بعض الأطراف على حساب المصلحة الوطنية العليا) وبالشأن الأمني ( في ظل تواصل بعض المظاهر الإجرامية وخرق القوانين). وهو ما جعل ثقة المواطن في الدولة لتحسين الوضع تنهار وتتحول إلى هواجس ومخاوف غير أن التونسيين لا يُنكرون تواصل السير العادي لدواليب الدولة وذلك بفضل تواصل تماسك جانب هام من الإدارة ومن المرافق العمومية رغم بعض الصعوبات والإخلالات. كلهم يتحملون المسؤولية رغم أن منظومة الحكم الحالية تعتبر حاليا المسؤول الأول عما تمر به البلاد من صعوبات وعما يعيشه التونسيون من إحباط ومخاوف وهواجس، إلا أن المختصين يُحملون جانبا من المسؤولية لمختلف الحكومات المتعاقبة منذ 2011 إلى اليوم والتي لم تُحسن استغلال الوضع الجديد الذي أصبحت فيه البلاد. وعملت على تعطيل الإصلاحات وعلى محاولة جذب البلاد إلى الخلف. كما تميزت جميعها بالهشاشة والضعف تجاه بعض مظاهر الفوضى وخرق القانون وبافتقار الجرأة والشجاعة للإصلاح. وبحثت مقابل ذلك عن حماية المصالح الحزبية والشخصية والسياسيّة الضيقة. بل إن بعضها عمد إلى «توريث» بعض الأزمات والمشاكل الكبرى الى الحكومات الموالية. خيارات سياسية على الصعيد السياسي، يُشدد المراقبون على تحميل الخيارات السياسية التي وقع اعتمادها منذ 2011 مسؤولية الحالة الصعبة التي بلغتها البلاد اليوم. حيث ضاع وقت كثير في الاصلاحات السياسية (بعضها دون موجب) وفي الصراعات الفكرية والإيديولوجية حول مسائل كان من المفروض أن البلاد تجاوزتها منذ سنوات إلى جانب الصراع الأبرز وهو صراع الكراسي الذي جعل أغلب السياسيين يتخلون عن مهمتهم الأصلية ( خدمة الشأن العام) ويلهثون من كل الطرق للوصول إلى السلطة. كما أن النظام السياسي الذي وقع عليه الاختيار وكذلك طريقة الحكم التوافقي تسببا في جانب كبير من الأزمة بعد أن تعددت الأطراف الحاكمة. ولم يعد بالإمكان تحميل المسؤولية لطرف وحيد وواضح. وهو ما شجع الطبقة السياسية على التمادي في تجاهل المصلحة العامة بلا حسيب أو رقيب. مظاهر جعلت المواطن يفقد الثقة في الدولة وفي السياسيين: تواصل مظاهر الفوضى وخرق القوانين تغول الفساد والإفلات من العقاب تواصل غلاء المعيشة بلا توقف تراجع مُذهل في جودة الخدمات العمومية في مجالات الصحة والتعليم والنقل والبنية التحتية والنظافة انتهازية عديد السياسيين وبحثهم عن مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة وإهمال الشأن العام ودخولهم في صراعات يومية من أجل كراسي السلطة فوضى على مستوى منظومة الحكم وعلى مستوى النظام السياسي وعدم وجود حاكم حقيقي تُمكن محاسبته وتحميله المسؤولية