في مناخ سياسي محكوم بالتجاذبات وتزايد الصراعات السياسية يتطلّع التونسيون الى إجراء الانتخابات المقبلة في أفضل الظروف باعتبارها المحطة الحاسمة للتغيير الممكن، فهل تقدر الطبقة السياسية على تجاوز الخلافات وتنقية المشهد السياسي من الصراعات ؟ تونس(الشروق) وفي تصريحه نهاية الأسبوع المنقضي، قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن البلاد لا تزال في حاجة الى توافق بين كل الاحزاب والى توافق أيضا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فهل أن تحقق ذلك ممكن ؟ حمّى الانتخابات تغذي الصراعات. يجمع الملاحظون على أن المشهد السياسي بات محكوما بالسياق الانتخابي في كل تحرّكاته وسكناته، سيما وأن الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمتين ستمكن الفائزين من التموقع في منظومة حكم مابعد المرحلة الانتقالية، وهي المرحلة المستقرة التي يأمل من خلالها التونسيون معالجة الملفات الحارقة والانتقال بالبلاد من طور التحضير والتأسيس الى طور البناء والمعالجات. ولئن مكّن سدّ الشغور في هيئة الانتخابات وإصدارها للروزنامة الانتخابية من الاطمئنان بشأن اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، فإن تواصل الصراعات السياسية متعددة الاوجه بات ينذر بالأخطر ويهدد بشكل جاد مناخ التنافس الانتخابي. ولا يزال منسوب التوتر السياسي عاليا وتشقه اتهامات عديدة ومخاوف تزيد في زعزعة مناخ الثقة بين الاحزاب، وفي هذا السياق تدفع العديد من الأحزاب الى استكمال شرط سياسي آخر بخصوص تنقية المناخ السياسي يتعلق بإيضاح حقيقة الجهاز السرّي لحركة النهضة. وفي هذا السياق شدد المنسق العام لحزب حركة تونس الى الامام عبيد البريكي امس على انه «لا مجال لانجاز انتخابات نزيهة وشفافة قبل كشف لغز الجهاز السري». ولئن يطرح ملف الجهاز السري مناخا سياسيا متوترا بين النهضة وخصومها فإن العديد من الملفات الاخرى تعمم حالة فقدان الثقة بين التشكيلات السياسية ومنها بالخصوص العلاقة المتوترة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي تنعكس بدورها على العلاقة بين حزبي نداء تونس وتحيا تونس. امكانيات الانفراج ولما كانت العملية الانتخابية في مفهومها الواسع تنشد المشاركة الواسعة لأكبر عدد ممكن من المواطنين، فإن شروط نجاحها لا تتوقف عند حدود الاجراءات التقنية، بل تمتد المسؤولية الى السياسيين لمضاعفة الجهود في سياق إرجاع الثقة والامل الى التونسيين بنحو يحفزهم على المشاركة بعيدا عن أشكال الصراعات الشخصية الضيقة. ومن الملاحظ أن الاسبوع الأخير شهد بوادر نسبية يمكن البناء عليها في سياق الوصول الى التوافقات الدنيا التي تنقي المشهد السياسي من الصراعات والتجاذبات ليكون الحوار بديلا عن الصدام. فحديث رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن وجود خط تواصل مستمر مع رئيس الجمهورية، واللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وما تشهده الكواليس السياسية من لقاءات غير معلنة مؤشرات إيجابية تتطلب عقل سياسي محنك يدفع في سياق نضجها لصالح استقرار المشهد السياسي قبل خوض غمار الانتخابات. في المحصلة، لقد برهنت تونس على قدرتها في ايجاد الحلول التوافقية والحوار في أحلك المحطات وتبدو اليوم قادرة على تحقيق الحد الادنى المشترك من التوافقات تنقية لمناخ التنافس الانتخابي ، ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا بتوفر الارادة الحقيقية لدى كل الاطراف وتوحيد الرؤى لتأكيد أن الانتخابات القادمة هي استحقاق وطني قبل أن تكون استحقاق سياسي.