يدفع نظريا سياق التنافس الانتخابي نحو ضرورة التنافس الجدّي على البرامج غير أن المعطيات الواردة من الكواليس السياسية تؤكد بداية التحضير لموسم ‹›حرب الملفات» واستعداد كل طرف لاستعمالها ورقة ضغط ضد خصومه في الوقت المناسب. تونس- الشروق- : وباقتراب المواعيد الانتخابية الكبرى والحاسمة في مسار الانتقال الديمقراطي، يتطلّع المواطنون الى طرح جدي لمختلف الملفات الحارقة ،وإلى تنافس سياسي حول قدرة كل مترشح على تقديم البرامج والتصورات الكفيلة بإخراج البلاد من الأزمات المتعددة ،بعيدا عن منطق الصراعات الشخصية والقضايا الهامشية والمصالح الشخصية التي عانت منها تونس بعد الثورة. وفي المقابل تبرز الكواليس السياسية الضيقة والعديد من منشورات مواقع التواصل الاجتماعي بداية التحضير لتحريك الملفات ضد خصوم السياسة. فكل طرف سياسي تقريبا محاط بشبهات عديدة تروج لها أطراف سياسية منافسة. وبغض النظر عن صدقيتها فإنها تحولت بشهادة مراقبي الشأن السياسي الى حديث الرأي العام. حرب الملفّات تستعر وضمن حرب الملفات المندرجة في سياق توظيف الأطراف السياسية لها لضرب خصومهم لا نجد أحدا مستثنى منها. وفي هذا السياق يعود اتهام رئيس حزب افاق تونس ياسين ابراهيم بقضايا فساد مع بنك لازار الفرنسي الى الواجهة. ويتهم البعض كلا من رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي والأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق بتلقي تمويلات اماراتية وتوجيه تمويلات قطرية الى الأحزاب المنضوية في خط الاسلام السياسي ومشتقاته. وتمتد الاتهامات أيضا الى حركة النهضة بحيازة جهاز سري متورط في الاغتيالات السياسية و الى أحزاب الجبهة الشعبية بتلقي تمويلات فرنسية وبضلوع الكاتب العام للحكومة رياض المؤخر والقيادي في "تحيا تونس" مهدي بن غربية في ملفات فساد. كما يتواتر بين الفينة والأخرى حديث عن حماية رئيس الهيئة السياسية لنداء تونس حافظ قائد السبسي فاسدين وتورط رئيس حزب البديل التونسي فيه، وتهديد الرئيس المؤقت السابق بكشف حيثيات الجهات المتورطة في مؤتمر أصدقاء سوريا؛ وغيرها من الملفات الأخرى التي يتداولها الشارع التونسي خارج سياقاتها القانونية. هذه الملفات وغيرها وقع تحريكها تزامنا مع الحملة الانتخابية السابقة. ويرجح المختصون في الشأن السياسي أن يعاد طرحها بضراوة كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية لكونها الأداة الأقوى للتخلص من الخصوم السياسيين وفق الممارسة السياسية المغلوطة التي دأبت عليها الطبقة السياسية الوليدة في سياق الانتقال الديمقراطي. وهن الأحزاب ولمجابهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تحول العمل السياسي الى تنظيمات مافيوزية كان لابد من فهم الأسباب الدافعة الى نشأتها. ويعدد خبراء الشأن السياسي العديد منها. فهي بالأساس تمثل طبيعي لنخبة سياسية عاجزة عن صياغة برامج كما ينص على ذلك المرسوم المنظم للأحزاب، يضاف اليه التقاء هذه النخبة في أحزاب سريعة النشأة تفتقر في الغالب الى رابط منطقي وامتداد فكري بما يجعلها تجنح الى الصراع كلما ضعفت مصالحها. كما أن منطق الغنيمة السائد بعد الثورة يجعل من جل السياسيين يطمحون الى الوصول الى السلطة بغاية تحقيق أهداف شخصية ومصالح ضيقة تنحصر بين لوبيات معينة أو فئات جهوية. ولتحقيق هذه الغايات الدنيئة فإن أنجع سلاح وفق تصورهم يكمن في تحريك الملفات ضد الخصوم بدلا عن القضاء. وأدت حالة الانفلات العامة واستمرار الصعوبات التي يواجهها المرفق القضائي والاستعمال الخاطئ لحرية التعبير في تنامي ظاهرة توظيف الملفات بغض النظر عن صدقيتها في سياق تسجيل النقاط السياسية وضرب الخصوم. وازداد الأمر سوءا في ظل غياب مواثيق التنافس السياسي وفي ظل ضعف مؤسسات الدولة في تفعيل القانون بصرامة سواء في تثبيت شبهات الفساد عن البعض أو في محاكمة البعض الآخر بالادعاء الباطل. وفي المحصلة تنذر الصراعات السياسية بتجدد فصول حرب الملفات على حساب البرامج السياسية الجادة التي يطمح الى طرحها التونسيون . واذا ما استمرت هذه الممارسات الدنيئة من قبل الطبقة السياسية فإنها ستزيد في تشويه التجربة الديمقراطية وتعميق فقدان الثقة بين المواطن والسياسي. تسييس الملفات أكد الباحث السياسي في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بروكنغر، شاران غريوال في ورقة بحثية أعدها حول الوضع السياسي في تونس وجود توظيف مسيس للملفات الأمنية والقضائية لملاحقة الخصوم في المشهد السياسي لافتا النظرالى أن استمرار هذه الظاهرة من شأنه تقويض مناخات الثقة في السياسة والسياسيين. نور الدين النفوسي ( ناشط سياسي) وعي المواطن مطلوب يؤكد الناشط السياسي نور الدين النفوسي أن رجل السياسة من الناحية النظرية هو مفكر يعمل وفق استراتيجيات وتصورات وبرامج لأن السياسة في غايتها الفضلى هي فن الممكن غير أن جانب الممارسة يكشف حياد الطبقة السياسية عن هذه المبادئ بشكل يزيد في توظيفها للملفات في الصراع السياسي. وللحد من هذه الظاهرة السلبية يرى نور الدين النفوسي أن وعي المواطن بضرورة التزكية على البرامج لا على الأشخاص وألوانهم السياسية سيساهم في وجود تنافس انتخابي يدور في فلك مصلحة المواطن. عبد الله العبيدي (ديبلوماسي سابق ومحلل سياسي) توظيف الملفات للتغطية عن الفشل يرى المحلل السياسي والديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن صراع الأحزاب السياسية وتوظيفها للملفات الأمنية والقضائية هي دلالة على عجزها المطبق عن تقديم البدائل والمقترحات. حيث تجنح هذه الطبقة السياسية الى القضايا الهامشية وضرب الخصوم وفق صراع محموم للتغطية عن فشلها الذريع في إدارة الشأن العام.