مَرّة أخرى يحكم الرجاء على «المكشخين» بقضاء ليلة سَوداء وليس فيها أيّة نقطة ضَوء بإستثناء الأجواء الإحتفالية التي أضفتها الجماهير الترجية القادمة إلى قطر من مُختلف أنحاء العَالم تماما كما فَعلت من قبل في مُونديالي اليَابان والإمارات (2011 و2018). أحباء الترجي جاؤوا من كلّ مكان أملا في القبض على «السُوبر» الإفريقي و»الثَأر» من الرجاء الذي كان قد انتزع من الجمعية لقب رابطة الأبطال عام 1999. وقد كانت الأماني كبيرة لكن الفريق «خَذل» المُحبين في ليلة غير قابلة للنسيان. هزيمة مُوجعة وتبريرات واهية في كرة القدم هُناك الرِّبح والخسارة ولا وُجود لأيّ نَاد أومنتخب بمنأى عن الخَيبات والنكسات لكن ردود الأفعال قد تَختلف من مُنهزم إلى آخر. ويكون الحُزن أعمق والشعور ب»الخِذلان» أكبر عندما يتعلّق الأمر بفريق مُتعاقد مع الإنتصارات ويعيش بالتَتويجات كما هو شأن الترجي «المُدمن» على البطولات والكؤوس من عام 39 (تاريخ حصوله على الكأس المحلية). وبما أن شيخ الأندية ظاهرة «استثنائية» في الكرة التونسية فإنه يَصعب على جماهيره العريضة تَقبّل هزيمة ودية فما بالك بضياع كأس قارية مِثل «السُوبر». وقد حَاول البعض أن يُصنّف هذه الكأس ضِمن الألقاب «الشرفية» في مُحاولة لتخفيف «الوجيعة» التي تلقّتها الجماهير الصفراء والحمراء الرافضة تَماما لمِثل هذه التَحاليل لإيمانها بأن الترجي يلعب من أجل «اصطياد» كل الألقاب بغضّ النظر عن قيمتها المالية وأهميتها الرياضية وإن لم يكن الأمر كذلك لما تكبّد الفريق عناء السفر إلى قطر للمُراهنة على «السُوبر» التونسي الذي لن يفوز صَاحبه سوى ب 100 ألف دولار وهو ما يُعادل تقريبا الجراية الشهرية لثلاثة من نُجوم النادي (مثل كُوم والبدري والبلايلي). على عكس التوقّعات قد يَقول البعض إن هزيمة الترجي على يد الرجاء كانت عادية قياسا بثقل الخصم وبالنظر إلى نتيجة هذه القمّة المغاربية - الإفريقية المُنتهية بفارق هدف للأشقاء (2 مُقابل 1). هذا التحليل قد يُقنع عامّة الناس لكنه لن يُطفئ النيران المشتعلة في صدور «المكشخين» الذين لم ولن يهضموا هذه الخَسارة لعدّة اعتبارات موضوعية. ويعتقد أنصار الترجي أن فريقهم كان يتمتّع بأفضلية معنوية وأسبقية فنية على مُنافسه «المُنهار» بفعل الخسائر التي تكبدها على جميع الواجهات (البطولة العربية وكأس الكنفرالية والدوري المغربي). وقد كان شيخ الأندية يملك كل «الأسلحة» التي تُخوّل له الفوز بدعم من الحشود البشرية التي ضحّت بوقتها ومالها وتنازلت عن «النُوم الغَالي» لتُجهّز مثل تلك «الدّخلات» العَالمية واللّوحات الفنية نُصرة للجمعية التي حَظيت أيضا بمساندة غير مشروطة من جَاليتنا الرياضية والإعلامية والدِبلوماسية في «الدّوحة» حيث حَضر السفير و»الأمبراطور» طارق ذياب وكلّ الحَالمين بإنتصار «المكشخين» إعلاءً لراية البلاد. ولن نُذكّر طبعا بالحياة «المَلكية» التي يعيشها أبناء الشعباني وهو ما يُحمّلهم مسؤولية مُضاعفة لأن هذا «الدلال» المُفرط يفرض عليهم أكل العُشب الأخضر لملعب «الغرّافة» لا «خِذلان» المحبين الذين كانت صَدمتهم أشدّ لأن اللّقب خَطفه من بين أيديهم الرجاء الذي كان قد أغضبهم و»أبكاهم» في يوم أسود ويأبى السقوط من ذاكرة كلّ «مكشّخ» أدرك أوحتّى سَمع وقرأ عن ضَياع رابطة الأبطال أمام الرجاء بتاريخ 12 ديسمبر 1999. وقد كانت «الوجيعة» كبيرة بعد أن نجح قطب الدار البيضاء في تكريس «العُقدة» بعد عشرين عاما على ذلك «الفينال» المشؤوم والذي كان البعض يَعتبره في المكتوب قياسا بنتيجة الذهاب في المغرب (0 مُقابل 0). لقد عَلّق الجمهور مِثله مِثل الجِيل المهزوم في 99 آمالا عريضة على فريق الشعباني ليردّوا الصّاع صَاعين و»يَثأروا» لهم من الأشقاء من بوّابة «السُوبر» المُقام في قطر غير أن هذه الأمنية الغَالية ضَاعت في لمح البصر بعد أن إنتظرها بفارغ الصبر آلاف «المكشخين» في مدرجات ملعب «الغرّافة» وملايين الترجيين في بقية أنحاء العالم وفيهم الشيخ والكهل والطفل والمرأة والمُقعد على كرسي مُتحرك مثل المدافع عبد الحميد الكنزاري وحتى القابع في سجنه وهو يترقّب البشرى السعيدة كما هو شأن الواعر الذي لن ينسى حادثة 99. وكيف يفعل وهو من تكفّل بالتوقيع على إهداء اللّقب للرّجاء من خلال إهدار الرَكلة الترجيحية الأخيرة في ذلك النهائي العَجيب. خطأ الفنيين والمسؤولين يَعرف القاصي والدَاني أن الترجي يُعاني من زمان بسبب الضُّعف الفَادح لخطّه الخلفي. وقد نَبّه الجميع إلى أهمية تَقوية المنطقة الدفاعية غير أن الفنيين والمسؤولين في الجمعية اختاروا تكديس أكبر عدد مُمكن من اللاعبين في الهُجوم (الهُوني – مزياني – لوكوزا...) مُقابل الإعتماد على الحُلول الترقيعية في الدفاع. هذا بدل القِيام بتعزيزات نَوعية للحُصول على الصّلابة الضَرورية. ومن المعلوم أن الترجي جَنى في الأعوام والأشهر الأخيرة أموالا طائلة من ألقابه العربية والإفريقية ومُشاركته في الكأس العالمية وقد كان المنطق يفرض تخصيص جُزء «يَسير» من تلك العائدات الضّخمة للتعاقد مع مدافعين من الطراز الرفيع تفاديا هذا «الصُداع» الكَبير. وقد برزت «سياسة التَرقيع» للعِيان من خلال نَقل شمّام من الجهة اليسرى إلى المحور مع إسترجاع اليعقوبي بعد «طَرده». هذا فَضلا عن «الصّبر» على الذوادي رغم هَفواته القاتلة واستحالة تحسين مؤهلاته خاصّة أن الرجل تجاوز عتبة الثلاثين مِثله مِثل الدربالي الذي وقع استنزاف كل مُمتلكاته ومُدخراته البدنية والذهنية حتى أنه رفع المنديل الأبيض في لقاء الرجاء وسلّم الأمانة للمباركي عن طواعية. أمّا بالنسبة إلى المشاني ومحمود فإن مُؤهلاتهما عادية جدا وقد تنتهي تجربتهما في «باب سويقة» في الخَفاء تماما مِثل الربيع البعيد ألاف السنوات الضّوئية عن زميله بن محمّد الذي أثبت من جديد أنه أحد أفضل العَناصر الترجية والتُونسية. وبالحديث عن دفاع الترجي هُناك شبه إجماع على أنه كان ضعيفا بل «سَاذجا» في تعامله مع هُجومات الرجاء الذي استفاد من هذه الثغرة ل»يغتال» أحلام «المكشخين» ويُعيد الإعتبار لمدربه الفرنسي «كَارتيرون» الذي لم يهدأ له جَفن منذ أن انتزع من شيخ الأندية لقب رابطة الأبطال (عندما كان على رأس الأهلي المصري). المدرب في قفص الإتّهام الكلام عن «كَارتيرون» يقودنا حتما إلى فتح ملف الإطار الفني للترجي بقيادة الشعباني الذي يتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية هذا الإخفاق خاصة أن تُهمة سوء التحضير ل «السُوبر» ثَابتة ولا تَحتاج إلى أدلة وبراهين. وتبدو «ثورة» الجمهور على الإطار الفني مفهومة في ظل الوجه الشاحب الذي ظهره به الفريق في قطر وهي المشكلة نفسها التي كان قد عاشها الترجي في مُونديال الأندية عندما «انهار» أمام «العَين» الإماراتي رغم أن الجميع كان يُرشّحُ سفير تونس لإكتساح خصمه آنذاك. ومن الواضح أن الإطار الفني لم يُحسن التدبير لمثل هذه المُواجهات الخَارجية التي لا مجال فيها للأخطاء مهما كانت صَغيرة. مسؤولية التحضير لا يتحمّلها الشعباني بمفرده بل يُشاركه فيها ساعده الأيمن مجدي التراوي ومدرب الحراس الناصر شوشان و»رئيس الأطباء» ياسين بن أحمد والمعد البدني صبري البوعزيزي والمكلف بالتقييم والمتابعة عثمان النجار وحتى المعد الذهني محمّد العروسي. ولاشك في أن المُتأمل في هزيمة الترجي أمام الرجاء سَيُلاحظ أن هذا السُّقوط تتداخل فيه العَوامل الفنية بالجَوانب البدنية والذهنية. لقد اعتذر الشعباني عن هذه الخسارة وذلك أضعف الإيمان لتهدئة الأجواء لكن من الضروري أن «يجلد» الإطار نفسه ويُراجع حِساباته. هذا في إنتظار نهاية الرحلة القطرية وإجراء العَملية التقييمية من طرف الهيئة المديرة. أين لَمسة هؤلاء؟ يُصادف أن يكون الفريق خارج الموضوع في بعض المُباريات وفي مِثل هذه الحَالات تأخذ العَناصر المهارية على عاتقها المسؤولية لإنقاذ الموقف بلمستها الفنية وهذا ما لم يَقم به لا البدري ولا الهُوني ولا بقير الذي «أوهموه» بأنه بطل «الفينالات» (الكأس العربية ورابطة الأبطال) غير أن الأمر كان مُختلفا في «السُوبر» حيث غاب «السّعد» والأدهى والأمر أن «سي» بقير «تراخى» في مُتابعة حافيظي الذي تقدّم نحو الأمام ليسجّل الهدف الأوّل للرجاء. في الإنتظار سينتظر جمهور الترجي ما سَيُسفر عنه «السُوبر» التونسي المُرتقب يوم غد ضدّ بنزرت في ملعب «الغرّافة». وبعد ذلك سيعرف الأحباء إن كان فريقهم قد إتّخذ القرار الصائب باللعب في قطر أم أنه كان من الأفضل التمسّك بخوض «السُوبر» التونسي وحتى الإفريقي في رادس. ومن المعلوم أن الجماهير الترجية كانت قد «ثَارت» على نقل لقاء الرّجاء إلى قطر خاصة أن الأعراف والقوانين تمنح الترجي (وهو حَامل رابطة الأبطال) حقّ استضافة الأشقاء وهم أصحاب كأس الكنفدرالية. هذا المطلوب يشعر الجمهور الأصفر والأحمر بغضب كبير تُجاه الفنيين واللاعبين لتفريطهم في «السُوبر» الإفريقي وهذا الشعور مفهوم وله ما يُبرّره. وفي الأثناء من الضروري أن تَتسلّح البعثة الترجية بأعصاب من حَديد لتُنقذ المَوقف وتُحرز «السُوبر» التونسي حتى لا تعود من رحلة الخَليج بيد فَارغة والأخرى لا شَيء فيها وعندها سيقول الجميع: «كأنك يا بُوزيد ما غزيت» وسط احتفاء حفيظ الدراجي الذي ظلّ طيلة لقاء الترجي يتكلّم عن «السمَّ القَاتل» استفزازا و»انتقاما» من الجماهير الترجية التي كانت قد دخلت معه في خِلافات يعرفها القاصي والداني.