الكَفاءة والرّصانة صِفتان اجتمعتا في شخص واحد وهو المنذر كبيّر الذي يحظى بالكثير من التَقدير في الأوساط الرياضية. ويُسعدنا طبعا استضافة مِثل هذه الإطارات الفنية المُحترمة في زمن انهارت فيه القيم بإسم «الإحتراف» المزعوم والذي لم نر منه غير الضّجيج وهو مشطوب بالأحمر في دفتر المنذر كبيّر المُؤمن بقيمة العَمل ولا شيء غير العَمل. وفي الحوار التالي نخوض مع «مَاندجار» الترجي في العديد من المواضيع مثل التكوين ومُنتخبات الشبّان فضلا عن «السُوبر» المُنتظر اليوم بين شيخ الأندية وبنزرت وهما بمثابة «الوسّادة والوَلاّدة» بالنسبة إلى ضَيفنا. من المعروف أنك تسلّمت منذ فترة ليست بالقصيرة منصب «المَاندجار» (أوالمُشرف العَام) في الترجي. فكيف تُقيّم العَمل المُنجز في مركب المرحوم حسّان بلخوجة؟ بَعد أكثر من 24 شهرا من العَمل في الحديقة «ب» يُمكن القول إن فرع الشبان بدأ بجني الثّمار سواء على مستوى التكوين على الأسس العلمية أوأيضا على صعيد ترسيخ ثقافة الإنتصارات التي تبقى من القيم الثابتة والصفات البارزة في الترجي الذي يعيش على التتويجات في مُختلف الحقبات وفي كلّ الأصناف بما في ذلك الأشبال. في المُطلق تكون الأولوية في فرع الشبان للتكوين السليم لكنّنا لم نكتف بهذا الجانب بل أننا حاولنا أن نصنع جيلا متشبّعا بثقافة الألقاب وهو ما سيساعد اللاعبين «الصّغار» على الإنخراط في عملية مُطاردة التتويجات دون صعوبات عندما يتمّ إلحاقهم بالفريق الأوّل. كلام جميل لكن هل من مَكاسب ملموسة؟ لقد نجحنا في تجهيز فَيلق من اللاعبين الواعدين والذي سيكون له شأن كبير مع الفريق الأوّل. والحقيقة أن القائمة طويلة وسنكتفي بإستحضار الأسماء التالية: محمدي علي بن رمضان وعزيز بوستة ورائد الفادع وزياد بالريمة ومؤمن الرحماني وعفيف الجبالي وعبد المجيد المحواشي وأمان الله لكود ويوسف المصراطي الذي أظهر امكانات جيّدة ومهارات طيّبة في وسط الميدان وقد يكون من العناصر اللاّمعة مُستقبلا. ومن المعروف أن بعض أشبالنا شاركوا مع فريق الأكابر في عدد من المُباريات والتربّصات ولا يُساورنا أدنى شك في أنّهم سيقدّمون إضافات نوعية للجمعية على المدى المتوسّط والبعيد. ولدينا طبعا نَواة أخرى أقل سنا وينتظرها أيضا مُستقبل مُزهر كما هو الحال بالنسبة إلى فاروق الميموني ومنتصر التريكي... وغيرهما من العناصر التي خطفت الأضواء في المسابقات المحلية وأيضا في الدورات الدولية التي خاضها أبناؤنا في الصّين وقطر. وقد وجّهنا بوصلة الإهتمام أيضا إلى الجوانب الفنية والذهنية ونحرص على أن يكون خِريّج المدرسة الترجية مُتميّزا من الناحية التكتيكية والبدنية مع الإلتزام بقواعد الإنضباط واللّعب من أجل الإنتصار والتفكير الدائم في المركز الأوّل لا الثاني. وفي ظلّ إرتفاع سقف الطّموحات فإن الإدارة الفنية للترجي تُلزم كلّ لاعب بالتدرّب لمدة 11 ساعة في الأسبوع الواحد وتكون هذه التمارين متبوعة بمباراة وهو ما يعني حسابيا أنّنا نُتيح لكلّ لاعب فرصة التدرب لمدّة 12 ساعة ونصف. وهذا المُعدّل جيّد ويستجيب نسبيا لما هو معمول به في مجال التكوين على المستوى الدولي. وبما أن الترجي فريق ألقاب فإننا لم نُهمل كذلك مطاردة البطولات والكؤوس وقد حصدنا في الموسم الأوّل 5 ألقاب من جملة ستة مُمكنة وحقّقنا في العام الموالي 6 تتويجات من أصل 7 ونراهن حاليا على عدة بطولات أخرى. كيف تَتصرّف الإدارة الفنية للترجي مع الحُضور القوي و»الخَطير» أحيانا للأولياء والوكلاء في الأنشطة اليومية للشبّان؟ نحن نُؤمن بمنطق التواصل المُباشر مع مختلف الجهات المَعنية بالقطاع وقد أثمرت هذه السياسة نتائج جيّدة حيث نجحنا في مدّ جسور التواصل مع أولياء اللاعبين وقد رسخنا في أذهان الناس بأن البقاء للأنفع والأجدر وأقنعناهم بأننا نعامل الجميع على قدم المساواة: أي أنه لن «يُظلم» عندنا أحد. والأجمل من ذلك أننا غيّرنا العديد من المفاهيم المغلوطة على غرار الفكرة السائدة حول أهمية ظهور اللاعب الشاب في التشكيلة الأساسية كمؤشر لتألقه وقدرته على بلوغ الفريق الأوّل. وقد بيّنا للناس بأن الكثير من الأقدام قد تسيطر على التشكيلات المثالية وتُعانق الإمتياز في أصناف الشبان لكن سرعان ما تُنطفىء شعلة هؤلاء مقابل صعود أسهم بعض البدلاء الذين يتسلّحون بالصّبر ويسهرون على تطوير مردودهم فتكون الخَاتمة سعيدة وذلك على عكس كلّ التَوقّعات. أمّا بخصوص الوكلاء فهم جُزء لا يتجزأ من اللّعبة و»شرّ» لابدّ منه. ولا يمكننا أبدا إقامة جدار عازل بين اللاعب ومحيطه العام من أولياء وصحافة ووسطاء لكننا نتدخل لتوجيه أبنائنا وإنارة طريقهم مع العمل على حماية العلاقات التعاقدية (عقود بثلاثة أعوام لمن هم دون ال 18 عاما و5 سنوات لمن تجاوز عَتبة ال 18 سنة). في سياق مُتّصل بملف التكوين كيف تنظر إلى واقع المنتخبات الوطنية للشبان؟ يُمكن القول إنّنا أحسنا التصرف مع الفئة العمرية التي تقل عن 17 عاما وفي المقابل مازالت المشاكل متواصلة بالنسبة إلى الفئة التي تقل عن 19 سنة. ومن خلال تجربتي الواسعة في المجال أعتقد أن الحل يكمن في بعث مركز عصري قريب من العاصمة وتتوفّر فيه أحدث التجهيزات والحقيقة أن مركز التكوين ببرج السدرية لا يرتقي أبدا إلى مستوى الإنتظارات. ومن الضروري أيضا أن تشتغل هذه الفئة (أقل من 19 عاما) في شكل فريق: أي أن تتدرب عناصرها يوميا ولا تغادر مركز التربّصات إلا في نهاية الأسبوع بهدف المشاركة مع الأندية الحَاضنة في المباريات الرسمية. ولا يَفُوتنا في هذا السياق الإشارة إلى إشكال آخر كبير ويَهمّ «مرحلة التكوين» (بين 16 و19 عاما). ومن الضروري أن تتدخّل الجِهات المَعنية في مقدّمتها سلطة الإشراف لإيجاد حلّ عاجل لعائق التوقيت المدرسي الذي لا يسمح للاعب بإجراء حصتين تدريبيتين في اليوم نفسه وهو ما يجعل عدد الساعات المطلوبة في التمارين منقوصة (المعدل العام في تونس حوالي 8 ساعات في حين أن الرّقم المنشود في حدود 12 ساعة ونصف). ونختم هذا الملف الثقيل بالتعريج على المنتخب الأولمبي الذي حظي للأمانة بعناية استثنائية والأمل كلّه أن يبلغ الكأس الإفريقية ويطارد في مرحلة مُوالية بطاقة التأهل إلى الألعاب الأولمبية ونتمنّى طبعا أن لا يُخيّب فريقنا انتظارات التونسيين خاصّة أنه يضمّ في صُفوفه أحسن اللاعبين الصّاعدين وفيهم عدّة عناصر تلعب بأزياء الأندية الكَبيرة في المُنافسات المحلية والدولية. الحديث عن الأولمبيين يُحيلنا إلى موضوع الفريق الأوّل. فما هي انطباعاتك الأولية بعد اختبارين مع المدرب الجديد «ألان جيراس»؟ تابعت مُواجهتي «اسواتيني» والجزائر ودوّنت مُلاحظات ايجابية عن المنتخب وقد بان بالكاشف بأن أفكار «جيراس» واضحة وكان الرجل وفيا لطابعه الهجومي والذي نشأ عليه منذ أن كان لاعبا في صفوف المنتخب الفرنسي. وأعتقد شخصيا أن هذه الانطلاقة واعدة ولا أشك أبدا في أن حظوظنا وافرة في الكأس الإفريقية المُنتظرة في مصر. وفي الأثناء من الضروري التنبيه إلى بعض النقائص في مقدّمتها المسألة البدنية فقد لاحظت أنّنا نُعاني من بعض الصُّعوبات في مُجاراة النسق المُرتفع للخصم وهذه الحقيقة الدامغة وقف عليها الجميع في المونديال الروسي وقد كانت بارزة للعيان في المُواجهة الودية الأخيرة أمام الجزائر. وهُناك نقطة أخرى تشغلني وهي وسط الميدان الذي يفتقر من وجهة نظري إلى لاعب مُميّز وله القدرة على الاضطلاع بالدورين الدفاعي والهجومي والنموذج الذي يسيطر على ذهني غير مُتوفّر في الوقت الراهن وهو يُشبه من حيث المواصفات الكامروني «فرانك كُوم» الذي يتمتّع بمؤهلات عريضة في مَركزه. إعجباك بخصال «كُوم» «يَطير» بنا إلى قطر للخوض في «السُوبر» المنتظر اليوم بين الترجي وبنزرت. فما هي توقّعاتك وانتظاراتك من هذه القمّة التونسية «المُهاجرة»؟ نُريد أولا وقبل كل شيء أن يقدّم الفريقان صُورة جيّدة عن الكرة التونسية وذلك من خلال الأداء الراقي والسُلوك القويم. ولا يُساورني الشك في قدرة الجمعيتين على إمتاع الناس بطبق رائع تماما كما حصل في لقاء البطولة (2 مُقابل 2). ومن الصعب طبعا التكهّن بالنتيجة في مثل هذه المُواجهات التقليدية. وأعتقد أن الترجي سيرد الفعل بقوّة على خلفية خسارة «السُوبر» الإفريقي وهو حادث عابر في مسيرة الجمعية التي أظهرت مؤهلات كبيرة على امتداد الأشهر الأخيرة ونحرص على التنصيص على كلمة أشهر ليقيني بأنه من «الجُنون» مُحاسبة الفريق على لقاء واحد كذلك الذي انهزم فيه أمام الرجاء. أمّا بالنّسبة إلى النادي البنزرتي فقد ظهر بوجه مُشرّف في سباق البطولة وأكد من جديد أنه خصم عنيد ومن المؤكد أن الجمعية قادرة على صُنع العجب والصّعود على منصات التتويج إذا تجاوزت عائق الموارد المالية.