عاجل/ النيابة العمومية تكشف الشبهات المتعلقة بهذا الوزير السابق..    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    مهرّبون متورّطون مع أصحاب مصانع.. مليونا عجلة مطاطية في الأسواق وأرباح بالمليارات    تعيين سفير في اندونيسيا    عملية صيانة كبرى في نقل تونس    وزارة التعليم العالي تنفي علاقتها بتنظيم منتدى مغاربي حول 'علم النسب وتاريخ العائلات'    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    وزارة الداخلية تشرع في استغلال مقر جديد متطور للأرشيف    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    القبض على 24 منفّذ "براكاج" بالأسلحة البيضاء روّعوا أهالي هذه المنطقة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوضى وتجاوزات وانتهاك للحريات ..هل نجحت الديمقراطية في تونس؟
نشر في الشروق يوم 06 - 04 - 2019

هل كنّا جاهزين للحرية والديمقراطية؟ سؤال يُطرح بشدة في السر والعلن بين التونسيين بسبب ما آلت إليه الأوضاع من تدهور في مختلف المجالات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا وإعلاميا بعد مضي ثماني سنوات على هذا المسار الانتقالي.
تونس الشروق-
هذا السؤال كان سيد الموقف أول أمس الخميس عقب تداول تصريح للنائبة هدى سليم، لا تتجاوز مدته 6 ثوان، في حديث لها مع عبد القادر بوسلامة عضو المكتب التنفيذي لنقابة الأساتذة الجامعيين والباحثين التونسيين "إجابة" إثر احتجاجات منظوري "إجابة" في قاعة الجلسة المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، تقول فيه "شفتها الحرية...إنساها".
مطالب لم تتحقق
تصريح صادم أظهر النائبة في شكل شخص معاد للحرية بعد مضي ثماني سنوات على الانتقال الديمقراطي وقُبيل بضعة أشهر من تنظيم ثالث المحطات الانتخابية منذ انهيار نظام بن علي الاستبدادي.
وقد لاقى هذا التصريح هبّة جماعية مناصرة للحرية. وأعاد السؤال حول مدى جاهزيتنا للحرية ومدى تحصيننا لها. وهي التي يتفق الجميع على أنها كانت المكسب الوحيد الذي تحقق ما بعد الثورة. فهل كنّا جاهزين للحرية وللديمقراطية؟ وكيف يمكن أن نحصّن هذه الحرية أمام متغيرات سياسية فيها جانب كبير من الغموض والتشويق؟
لا ينكر أحد في تونس أن المسار الانتقالي في البلاد لا يبدو في وضع سليم. وهو المحفوف بمخاطر المزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمزيد من الصراع السياسي الذي بلغ سقفا من العنف والاغتيالات في العام 2013 ولا يخضع اليوم لأي مبادئ أو معايير أخلاقية تضمن التنافس السلمي.
ويمثل العزوف المرتقب عن الانتخابات العامة المزمع تنظيمها نهاية السنة الجارية أبرز مؤشرات هذا القلق العام تجاه تدهور الأوضاع وتزايد فقدان الثقة تجاه مجمل الفاعلين السياسيين.
هذه الحالة التونسية المعقدة تطرح السؤال بشدة حول مدى جاهزيتنا لحرية وديمقراطية جاءتا بشكل فُجائي. فعشناها بشكل فجائي فضّ فيه ممارسات وتجاوزات أضرّت بصورة الحرية في أعين الجميع.
تقول الكاتبة والناشطة السياسية نزيهة رجيبة، أم زياد، إنّ "بن علي كان يبرر قمعه للحريات بأننا غير جاهزين للحرية وبأن التونسي غير مؤهل لها. ونسي أن هذا التونسي هو نتاج لسياسته". وتضيف في حديثها ل"الشروق" صحيح أن الحرية جاءت فجأة وكاملة. ولكن هناك أيضا محاولات لقمع هذه الحرية من قبل السلطة. وهناك في المقابل انفلاتات وتجاوزات. وهذا يحدث بسبب عدم تطبيق القانون".
وتعتبر أم زياد أن مرتكبي التجاوزات هم في الغالب ممن يحملون غلاّ عن الفترة السابقة وموروثها. ويظهر ذلك في بعض التحركات الاحتجاجية وفي الخطاب السياسي أيضا. كما تعتبر أن الحرية أمر جديد على التونسي. ولكن، تضيف، حذار من التحجج لضرب الحرية. فهي حق انساني. وشخصيا أفضّل مخاطر استعمالها على موتها.
معاداة الحرية
تعود مهاجمة الحرية ومعاداتها من قبل البعض الى الخيبة من عدم تحقق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي الذي طالب به المحتجون في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011. إذ انتهى الأمر الى مثل هذه الأوضاع الدراماتيكية في مختلف الأصعدة. فالمقدرة الشرائية للمواطن انهارت بشكل كبير. إذ يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي إن نسبة انهيار المقدرة الشرائية ما بين العام 2010 والعام 2018 بلغت 88 بالمئة. وإن استرجاع مواطن من الطبقة المتوسطة يحصل على أجر قيمته 750 دينارا في العام 2010 يتطلب بالضرورة مضاعفة هذا الأجر ليصبح 1500 دينار.
هناك مظاهر أخرى عديدة رافقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأزمة غياب الدولة أو هي كانت نتاجا لكل هذا تمثلت في ارتفاع نشاط المحتكرين والمهربين وتراكم الثروة في الدولة الموازية التي فيها البقاء للأقوى. هذه الدولة الموازية وجدت امتدادا لها داخل الدولة من خلال الأحزاب. ووصلت الى قبة البرلمان. حيث أصبح المهربون ممولين رئيسيين للأحزاب ولشقوقها. وأصبح لهؤلاء سلطة نفوذ في دولة القانون.
ولم يتوفر الشغل والكرامة كما طالب بذلك جمهور الغاضبين في 2011 وقبلها. بل استشرى الفساد والمحسوبية. وصار للانتقال الديمقراطي علاّت عميقة أفرزت حالة من القلق تجاه الحرية التي ارتبطت في أذهان الناس بعنوان الفوضى والتجاوزات والفساد.
ويقول عبد الستار بن موسى الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ل"الشروق" إنّ "الحرية مبدأ سام. وإن العودة الى كبت الحريات أمر مستحيل. ولكن يتطلب التعايش مع الحرية سنوات وتحصين الحرية لا يتم سوى بتغيير الذهنية وتغيير السلوك. فالدفاع عن الحقوق واجب والالتزام بالواجب يتطلب مسؤولية".
واعتبر بن موسى أن ظهور مثل هذه السلوكات المعادية للحرية مرده عدم القيام بخطوات جديّة نحو الإصلاح من ذلك عدم الاستثمار في الحوار الوطني لإصلاح المؤسسات. فلم يتحقق الانتقال الاقتصادي (مراجعة منوال التنمية). كما لم يتحقق الانتقال الاجتماعي. كما اعتبر أننا نحتاج الى الوقت والى ثورة ثقافية والى تطبيق القانون على الجميع دون استثناء والى احترام القانون من قبل الجميع قائلا إن الحرية أيضا هي القيام بالواجبات. "فالحرية لا تباع ولا تشترى. بل هي في حاجة الى وعي من المسؤولين وكافة أفراد الشعب. وهي أيضا احترام القانون".
هذا الخروج عن السكّة في المسار الانتقالي في علاقة بفهمنا للحرية وممارستها يبرره البعض بغياب الوعي الجماعي بأهمية الحرية وقيمتها التي هي فرصة للبناء والتأسيس. ويحمّلون النخبة مسؤولية عدم الريادة في إحداث رجة في الوعي الجماعي وإطلاق ثورة ثقافية بإمكانها مساندة المسار الانتقالي حتّى تكون الحرية والديمقراطية عنوانا للتحرّر والتأسيس لمجتمع بديل تُصان فيه الحريات والكرامة والخبز. كما يتحمّل مسؤوليته إعلام انحاز الى كل ماهو تجاري بعيدا عن المنتوج الإعلامي الملتزم بكشف الحقيقة ولعب دور الرقيب والفاضح للهنّات. وتتحمّل مسؤوليته سلطات حاكمة غرقت في الحسابات الحزبية. ونسيت تطبيق القانون. وتتحمّل مسؤوليته نخبة سياسيّة أبرز فاعليها كانوا أعداء للحريّة والديمقراطية والتعددية طيلة نصف قرن لنُترك شعبا يواجه مصيره في ديمقراطية فُجائيّة يعيشها دون دُربة ودون ضوابط.
النائبة هدى سليم (كتلة الائتلاف الوطني) ..لست معادية للحرية
كيف تفسرين لنا هذا التصريح "شفتها الحرية...إنساها"؟
أنا عضو في لجنة التربية والثقافة والتعليم العالي. وقد التقينا وزير التعليم العالي سليم خلبوس في محاولة لحلحلة الأزمة بين "إجابة" والوزارة وجبنا مقترحات من الوزير وقدمناها لوفد "إجابة". فكان رفضهم هذه المقترحات. ثم غادروا اجتماع اللجنة. ثم حصل ما حصل. وشخصيا حين تحدثت الى بوسلامة قلت له "نحن بهذه التصرفات سنقضي على الحرية" وكنت أقصد أن تجاوز القانون هو اعتداء على الحرية. فسير الجلسات فيه قانون ينظمه. وبهذا الشكل نحن بصدد هدم الحرية.
أنا أعتبر أن الحرية مكسب كبير. ولكنها مهددة بالتجاوزات. والحرية هي الأساس حين نحسن استعمالها. وفي اعتقادي تعطيل مصالح الناس والإضرار بمصالح المواطنين هو تعدّ على الحرية.
وبماذا تفسرين هذه الست ثواني التي تظهرين فيها بمظهر المعادي للحرية؟
أنا أستاذة تعليم عال. وأساند حقوق التعليم العالي. ولكني أيضا كنائب في مجلس نواب الشعب أحمل هاجس مخاوف الأسرة من سنة بيضاء. وفي اعتقادي نحن ربحنا الحرية ولكننا نخشى خسارتها بالتجاوزات. وهذا ما أردت قوله. أنا أمثّل حزبا سياسيا وهو "تحيا تونس" وبالتالي هذه الست ثواني تدخل في اطار حملة انتخابية. وتقف وراءها أحزاب سياسية. هذه أخبار مغلوطة يتم تداولها ومن يقول إنني معادية للحرية أقول له أنا لست كذلك. وتثبتوا من مواقفي أنا لست ممن يقف ضد الحرية. ولكنني ممن يخشى خسارتها.
هل تعتقد النائبة هدى سليم أننا كنّا جاهزين للحرية وللديمقراطية؟
التغيرات السياسية التي نعيشها كانت فجئية. والمكسب الوحيد الذي ربحناه منها هو الحرية. ولكن التجاوزات موجودة جدّا ومنها تعطيل المرافق العامة كالنقل والصحة. ولا يمكن أن يسمّي أي تونسي مثل هذه الممارسات حريّة. بل هي تجاوزات. فمكسبنا الحقيقي في تونس هو الدراسة والتعليم. وحين تعطّل مصالح التلاميذ والطلبة هل يعني هذا حرية؟
وماهي حدود مسؤولية السلطة تجاه ما يحصل من تجاوزات فالناس يحتجون لأن السلطات لا تتفاعل مع احتجاجاتهم أو هي تخلّ بالتزاماتها تجاه تلك القضايا؟
قبل الثورة كانت السلطة قوية جدا. واليوم أصبحت الدولة أضعف الحلقات في المشهد. وتظهر بمظهر المرتبك والضعيف وغير القادر على تطبيق القانون. انظروا الى تجربة السترات الصفراء في فرنسا هم يحتجون منذ أشهر ويحتجون أيام السبت والأحد كي لا يعطلوا مصالح أحد.
ولكن في احتجاجات السترات الصفراء هناك أيضا عنف واعتداءات؟
نعم ولكن ما أردت قوله هو أنه لابد من إصلاح المنظومة والمفاهيم. فالاحتجاج حق ولكنه أيضا حق مسؤول والحرية ثقافة ومسؤولية. ومادامت حريتك تضر بغيرك فهي ليست حرية. نحن نحتاج الى الوعي بالحرية. وما حز في نفسي أن الأحزاب الديمقراطية غير متضامنة حين يتم تأويل خاطئ لتصريح أو تهجّم على خلفية موقف فيما تُظهر بقية الأحزاب تضامنا في ما بينها.
ماذا تقولين لمن يوجّه اليك التهمة اليوم بمعاداة الحرية؟
لست معادية للحرية أنا اخشى أن نفقدها إذا ما استمرّ تجاوز القانون. والحرية إذا مسّت مصالح الناس ليست حرية. كما أنّ هذا التهجّم العنيف والمجاني على المرأة في كل مرّة وهي التي انخرطت في العمل السياسي هو أيضا مكسب آخر سيتم القضاء عليه ما بعد القضاء على الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.