بين ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في عديد المجالات والتوصيات المنبثقة عن زيارة بعثة صندوق النقد الدولي مؤخرا إلى تونس، وجدت حكومة الشاهد نفسها تحت ضغط ثنائي من المنتظر أن يتواصل خلال الفترة القادمة. تونس «الشروق» من المنتظر أن تكون الفترة القادمة في تونس «ساخنة» على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في ظل ما أصبح يسيطر على الوضع العام في البلاد من صعوبات مختلفة. فبالتوازي مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والاضرابات المختلفة او التهديد بها في عديد القطاعات، جاءت توصيات صندوق النقد الدولي الأخيرة حول تونس لتزيد من حدّة المخاوف لدى التونسيين حول ما ستؤول إليه أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والمالية في الفترة القادمة وازدادت معها الضغوطات على حكومة الشاهد التي قد تجد نفسها في جملة من المآزق الخطيرة. احتجاجات واحتقان وكانت عديد القطاعات قد أعلنت في الفترة الأخيرة جملة من التحركات المختلفة على غرار الاضرابات أو إيقاف الانتاج او إيقاف اسداء بعض الخدمات، على غرار اضراب نقل المحروقات والتلويح باضراب في قطاع الغاز المنزلي وبإيقاف الانتاج في قطاع الألبان. كما شهدت الايام الأخيرة تحركات عديدة للفلاحين للتعبير عن مشاغلهم إلى جانب تحركات سواق النقل والتلويح بغلق الطرقات احتجاجا على الزيادة في أسعار المحروقات مع تواصل التهديدات بتحركات مماثلة في قطاعات حساسة او في قطاعات ذات علاقة بالمرفق العام على غرار التعليم والصحة والنقل... وكل هذه التحركات أدخلت البلبلة على النسق العادي لحياة المواطن بعد أن أصبحت مصالحه عرضة للتعطيل في أكثر من مجال وهو ما خلق لديه حالة من الغضب بالتوازي مع ما أصبح يشعر به من احتقان نتيجة تواصل ارتفاع الأسعار. إملاءات جديدة من FMI بالتوازي مع ذلك جاء تقرير صندوق النقد الدولي اثر زيارة وفده إلى تونس من 27 مارس الى 9 أفريل 2019 ليحمل جملة من الضغوطات و»الاملاءات» الجديدة على الحكومة التونسية مقابل صرف القسط السادس من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 250 مليون دولار. وكان الصندوق قد صادق في ماي 2016 على منح تونس قرضا بقيمة 2 فاصل 9 مليار دولار وتحصلت تونس إلى حد الآن على 1 فاصل 4 مليار دولار من اجمالي هذا القرض. وسيتم صرف القسط المتبقي من القرض خلال الفترة المتراوحة بين بداية سنة 2019 الى حدود أفريل 2020. وأورد تقرير الصندوق هذه «الاملاءات» الجديدة واصفا إياها ب»أساسيات المحافظة على استقرار الاقتصاد ودعم التحول السياسي» معترفا بأن لها تأثيرا على الشعب التونسي. ( انظر المؤطر) مخاوف هذه الاجراءات الجديدة المعلنة من صندوق النقد أدخلت المخاوف على التونسيين باعتبارها ستزيد من التضييق على أوضاعهم المالية في الفترة القادمة خصوصا عندما يتعلق الامر مواصلة الزيادات الدورية في اسعار المحروقات طيلة العام المقبل لرفع الدعم عنها تدريجيا كما جاء في التوصية. فالمحروقات تعتبر أهم نفقات التونسيين لانها لا تهم فقط أصحاب السيارات بل تهم استهلاك الكهرباء والغاز إلى جانب ما ستتسبب فيه الزيادة في أسعارها من زيادات في تكاليف قطاع النقل وفي أسعار مختلف المنتوجات الفلاحية والمُصنّعة. كما أن توصية «التحكم في كتلة التأجير العمومي» تزيد أيضا من المخاوف باعتبارها تعني آليا الحد من الزيادات في الأجور ومن الانتدابات في الوظيفة العمومية. الحكومة «بين نارين» من المنتظر أن تجد الحكومة نفسها خلال الفترة القادمة في مواجهة عدة ضغوطات من الوزن الثقيل. فمن جهة ستكون الحكومة تحت ضغط المواطن الذي يطالب بتأمين السير العادي لحياته دون تعطيل لمصالحه وللانتاج وستكون أيضا مطالبة بالاستجابة للطلبات المالية للقطاعات المحتجّة والمُضربة (الزيادة في الاجور – الزيادة في الأسعار بالنسبة للمنتجين ولمسديي الخدمات..) وهو ما قد لا تسمح به املاءات صندوق النقد الدولي. ومن جهة أخرى ستجد نفسها في مواجهة الاحتقان الاجتماعي الذي سيتسبب فيه الترفيع المتواصل في أسعار المحروقات وما سيترتب عنه من ترفيع في كل الاسعار الاخرى. ومن جهة ثالثة ستكون الحكومة أيضا تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي سيتمسك بتنفيذ املاءاته مقابل منح القسط السادس من القرض البالغة قيمته 250 مليون دولار والذي تحتاجه الحكومة بشدة اليوم لتغطية جانب من الضائقة المالية التي تمرّ بها. آخر توصيات صندوق النقد الدولي لتونس مواصلة الجهود للتقليص من عجز الميزانية - دعم المدخرات من العملة الصعبة - ارساء سياسة نقدية صارمة - الالغاء التدريجي لدعم المحروقات - حماية الاسر الهشة - مزيد التحكم في كتلة التأجير العمومي لمزيد فسح المجال للنفقات الأساسية المخصصة للاسر الهشة والتعليم والصحة - التسريع مجددا في الاصلاحات الهيكلية خاصة لتحسين حوكمة وبيئة المؤسسات - مزيد تحرير الامكانات امام القطاع الخاص وافراز المزيد من فرص التشغيل لكامل التونسيين.