رغم ما عرفته الأيام الأخيرة من حملات مراقبة ومداهمات على مخازن المحتكرين والفريقوات، فإن جولة في الأسواق تكشف معاناة المستهلك المتواصلة من لهيب الأسعار، فكأن هذه الحملات «فاشلة» في إطفاء حريق الأسعار. تونس الشروق- شهدت تونس خلال الفترة الأخيرة حملات مكثفة مشتركة بين وزارات الداخلية والتجارة والصحة على جملة من المخازن و"الفريقوات" التي استخدمها المحتكرون لتخزين السلع والمضاربة بها أيام ارتفاع الطلب. وقد تزامنت هذه الحملات مع الاستعدادات لشهر رمضان وقيام رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالإعلان عن جملة من الإجراءات للحد من الارتفاع المتواصل للأسعار. في المقابل ورغم كل الإجراءات والحملات الميدانية فإن التونسي لم يشعر بتغير في واقع بورصة الأسعار المنفلت والساخن. وهو ما يطرح أسئلة حول الحلول التي سيتم اتخاذها لإنجاح حملات المراقبة والحد من التهاب الأسعار. المراقبة مستمرة علمت "الشروق" من مصادر مطلعة من رئاسة الحكومة أنه تم التأكيد على ضرورة مواصلة حملات المراقبة والمداهمات ضمن حملات مشتركة بين الوزارات المعنية لضرب الاحتكار والسماسرة. من جهته أكد وزير التجارة عمر الباهي في حديث له مع "الشروق" أن فرق المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة سيواصلون عملهم الرقابي وأنه تم وضع برنامج خاص لشهر رمضان لتكثيف المراقبة في شهر الصيام، لكن هذه الحملات ستواصل عملها بعد رمضان أيضا. كما اشار إلى أنه سيتم دعم فرق المراقبة هذا العام ب 100 مراقب جديد سيتم انتدابهم قريبا. كما تحدث عن انخفاض الاسعار في شهر رمضان. كما ذكرت مصادر مسؤولة من وزارة التجارة أن التهاب الأسعار مرده أيضا اللهفة وعمليات التخزين التي لجأ إليها التونسيون بسبب ما لعبته الصفحات الاجتماعية من دور في بث المغالطات والإشاعات ومنها الترفيع في سعر اللحوم وفقدان الحليب والبيض. وقالت مصادرنا إن عمليات المضاربة تنطلق من خلال دفع المستهلك نحو اللهفة والشراء غير المبرمج ولا المدروس. من جهة أخرى بينت مصادر مطلعة من ولاية تونس أنه سيتم العمل على التحكم في الأسعار خلال الفترة القادمة من خلال جملة من الإجراءات. كما ستتم متابعة الشأن الاقتصادي والحدّ من التجارة الموازية والتهريب. وقد قامت اللجنة الجهوية لمتابعة تطور الأسعار وضمان انتظامية التزويد والتصدّي للتهريب والتجارة الموازية بتقييم الوضع والنتائج لتدارك النقائص والسعي لأن يكون تخفيض الأسعار ملموسا لدى التونسي وذلك من خلال جلسة بمقر ولاية تونس بإشراف الشاذلي بوعلاق والي الجهة وبحضور أعضاء اللجنة الجهوية. وقد انطلقت منذ شهر في المراقبة من خلال 3125 زيارة ميدانية أسفرت عن 544 مخالفة اقتصادية شملت قطاع الخضر والغلال والمواد الغذائية والتبغ والفواكه الجافة وقطاع المطاعم والمقاهي والمخابز والمرطبات والدواجن والبيض والملابس والأحذية و عديد الأنشطة الأخرى .وسيتم دعم العمل وتكثيفه في الفترة القادمة. وستواصل حملتها للتصدي للاحتكار والتي أسفرت عن حجز أطنان من المواد. وقد تمت متابعة ومراقبة المسالك والطرقات ومسألة العرض والطلب في الخضر والغلال والمواد المدعمة وضبط برنامج جهوي في الغرض. ارتفاع «يكوي» جولة في السوق المركزية وعدد من أسواق العاصمة كشفت عن اكتواء حقيقي من المستهلك بنيران الأسعار. وبعد اقتنائها لنصف كيلوغرام من القرع الأحمر قالت هندة (موظفة) وهي تهز يدها بسرعة وكأنها قد احترقت بشيء ما :"يا لطيف يا لطيف كيلوغرام القرع بثلاثة دنانير. ونحن من كان يشتريه للشكشوكة. شيء رهيب.. نار نار اكتوينا ولم ينظر لنا أحد.." من جهتها ضربت آمنة (ربة منزل) على رأسها وهي تشير إلى قفتها الفارغة قائلة :"بعض الخضار ب20 دينار.. لا نعرف ماذا سيجري فينا.." وبعدها بفينة أجابت بائع الخضار الذي سعا إلى طمأنتها بانخفاض الأسعار في رمضان "وهل مازلنا نصدق السياسيون.. هذه حملات سياسية وإعلامية.. وهذه حقيقة قفتي فمن نصدق.." أما حليمة (ربة منزل) فقد كانت تلتحف سفساري وقالت:"الغلاء سببه هؤلاء الذين يريدون اشتراء الطماطم والفلفل في هذا الفصل.. فهل كنا أيام زمان نشتري هذه الخضر أو الغلال كنا نأكل في كل فصل خضر ذلك الفصل .. لكن جيل اليوم يعاني من الدلال." تراجع وشكوك أطراف كثيرة شككت في إمكانيات تراجع الأسعار رغم وعود الحكومة ومساعي الولايات من خلال فرق الشرطة البلدية والحملات المشتركة التي تعمل على تكثيف المراقبة. وكان رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، عبد المجيد الزار قد استبعد إمكانية تراجع الأسعار في رمضان، نظرا لارتفاع تكلفة المنتوجات الغذائية والزيادات المتتالية من قبل الحكومة. كما أرجع أزمة الاسعار إلى مشاكل هيكلية تتعلق بضرب منظومات الإنتاج الفلاحي وبتوريد البيض واللحوم الحمراء والدجاج، الأمر وهو ما يهدد الاقتصاد الوطني. ورغم تأكيده أن المنتوج الوطني يؤمن الاكتفاء الذاتي فإنه شكك في جودة السلع الموردة من الحكومة لتعديل السوق. من جهة أخرى أشارت مصادر مطلعة ومنها مرصد الفلاحة إلى المرصد الوطني للفلاحة، عن تسجيل تراجع في تزويد السوق شمل العديد من أصناف الخضر والغلال، وهو ما ساهم في ارتفاع الأسعار بنسب تتراوح بين 5 و51 بالمائة بالنسبة للبطاطا والطماطم والفلفل الحار والبصل وارتفاعا. وارتفاع أسعار الدقلة والفراولو بنسبة 67 في المائة، و الأسماك بين 21 و31 في المائة. ورغم الشكايات المتواصلة فإن مصادر مطلعة من وزارة التجارة ومنظمة المستهلك تحدثت عن رزمة من الحلول التي وضعتها الحكومة لتعديل الأسعار من خلال المراقبة وضرب السماسرة ووضع منتوج استراتيجي مخزن وتوريد منتجات من الخارج مثل اللحوم، لتعديل السوق إضافة إلى المنتجات المحلية. أسعار الخضر والغلال بين 2800 و3 د القرع الاحمر بين 1000 و1200 مليم البصل بين 1500 و1800 البطاطا بين 2500 و3 د الطماطم 1400 القرع الاخضر 1200 مليم الفول بين 1800 3.5 دينار الفلفل 500 المعدنوس 5500 التفاح 6 دنانير الموز 5 دنانير السردينة 14 دينارا القاروص والورقة سليم سعد الله (رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك) إشاعات خلقت اللهفة وتخزين المنتجات وألهبت الأسعار رغم حملة الشاهد الأخيرة للإيقاع بالمحتكرين والمراقبة إلا أن الأسعار ظلّت مرتفعة، كيف تفسرون ذلك ؟ - ما نلاحظه من ارتفاع في الاسعار وكأنه تسبقة او إعداد التجار لشهر الصيام، لاحظنا فعلا الارتفاع المتواصل في أسعار مواد عديدة خلال هذا الشهر. لكن علينا أن لا ننسى ان هذا الارتفاع يتزامن مع ارتفاع نسبة التبضع في رمضان الذي يعد شهر الاستهلاك بامتياز ، لا سيما في مواد مثل الحليب والبيض واللحوم الحمراء والبيضاء والخضر الورقية ، لقد شعرنا بتحرّك في الاسعار تراوحت الزيادات بين 30 وخمسين بالمائة. اما اكثر ما أثر سلبا في بورصة الأسعار فهو ما يتم إصداره من إشاعات ودعايات كاذبة تدعي حصول نقص في عدد من المواد أو فقدانها، ومنها الحليب او البيض وهو ما يجعل التونسي يسارع في تخزين المواد وتكثر اللهفة، وهذه العوامل تؤدي بالضرورة إلى الزيادات والمضاربات وتخزين المواد الاستهلاكية وبالتالي سنسجل زيادة في الأسعار. على المستهلك التفكير في مقاطعة المواد التي يجد أن أسعارها مشطة وتجاوزت الحد بسبب المضاربة كما عليه الابتعاد عن اللهفة والانسياق وراء الإشاعات. مثلا تم ترويج خبر نفاذ الحليب من السوق في حين في الحليب نمر بفترة فائض إنتاجي بحوالي 350 ألف لتر كما أشاعوا أن سيصل 35 دينارا. ماهي الحلول لضمان تراجع الأسعار فعليا وحماية المقدرة الشرائية؟ - لا بد من تكثيف المراقبة ومراجعة الاسعار وتكثيف الحملات التحسيسية وفضح التجاوزات بالاستعانة مع وسائل الاعلام فقضيتنا واحدة. لكن من علينا الإشارة الى انه من المفروض ان الاستهلاك في رمضان أقل من باقي العام فالتونسي سيتناول وجبة واحدة. كل المنتجات متوفرة بكميات كافية. فمثلا البطاطا الربيعية ستنزل قريبا للسوق. اما في ما يتعلق بالمواد المدعمة والتي تشهد غيابا أو نقصا في السوق، فقد تحدثنا مع رئيس الحكومة في هذا الموضوع، ومثلا الزيت المدعم ستوفر من خلال ضخ كميات كبرى في السوق كما سيتم دعم المراقبة وتوفير كل المواد من خلال المخزونات.