عين الخليفة المهدي ابنه هارون حين أصبح شابا يافعا قائدا في الجيش الذي يضم العديد من القادة الكبار وأمراء الدولة، وكان عمر هارون وقتها لا يتجاوز الخمسة عشر عاما، وخرج الجيش عام 163 ه إلى أراضي الروم وتوغل فيها وأظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها «سمالوا» ثمانية وثلاثين يوما حتى انتهى الأمر بفتحها، وعاد الرشيد بالجيش سالما محملا بالغنائم فاستقبله أهل بغداد وكافأه المهدي بتوليته بلاد أذربيجان وأرمينية. وفي عام 165 ه تزوج الرشيد ابنة عمه زبيدة بنت جعفر، وبعد الزواج بفترة قصيرة أرسله والده المهدي لقيادة جيش آخر لغزو الروم،. ووصل جنود الرشيد خليج البحر المطل على القسطنطينية، وكانت حاكمتهم يومئذ أيرين زوجة أليون الملقبة أغسطه، وهي وصية العرش لابنها قنسطنطين البالغ من العمر تسع سنوات، فطلبت الصلح من الرشيد، بعد أن رأت القتل في الروم، على أن تدفع له سبعين ألف دينار كل سنة، فقبل ذلك منها وأرسلت معه الهدايا لوالده الخليفة المهدي وتعاهدت مع الرشيد على هدنة ثلاث سنين. وعاد هارون من تلك الغزوة إلى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه وأطلق عليه لقب الرشيد، وأخذ له البيعة كولي للعهد بعد أخيه الأكبر موسى الهادي، فأصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني . كما جعله واليا على المغرب كله من الانبار الى اطراف افريقية مع الاقامة في بغداد، وينيب عنه من يحكم هناك فهو مسؤول امام ابيه ونائبه في المغرب مسؤول امامه يعود اليه عند المهام الكبرى . مات المهدي حين كان يقود جيوشه المتجهة الى ناحية جرجان التي سار اليها لمحاربة الخارجين عن الدولة وكان معه ابنه هارون الذي لم يتوان في اخذ البيعة لاخيه من الجند وعجل بارسال خاتم الخلافة اليه والتهنئة بالخلافة الجديدة . ورغم ان اخاه الهادي كان يضمر في قرارة نفسه خلع هارون من ولاية العهد بعده واسنادها الى ولده جعفر فقد اضطر الى ان يتريث قليلا . لاسباب متعددة اولها ان اخاه لم يظهر تجاهه الا فروض الطاعة والولاء وثانيها ان ولده مازال غلاما صغير السن ومن غير اللائق ان يسند له لقبا يقارب مكانة الخليفة مما قد يقلل من قيمته لدى الخاص والعام وثالثها انه رأى ان يمهد المسألة لدة حاشيته واعوانه بعد ان علم بمكانة هارون لديهم . احس الرشيد بما كان يضمره اخوه نحوه خاصة بعد ان بلغه انه ضيق على وزيره يحيى البرمكي بعد ان علم رفضه مجاراته في ما عزم عليه فاختار الابتعاد عن بغداد ليأمن من الدسائس التي تحاك حوله وتعلل بالخروج للصيد ولكنه مكث بعيدا يتجول في ارجاء المملكة وطالت مدة اغترابه وتوجس الهادي شرا من امره وظن انه يجمع حوله من يشدون ازره في امر ولاية العهد فكتب اليه طالبا سرعة العودة، ولم يجد هارون في نفسه ميلا الى الاسراع فتباطأ وجعل يعتذر باعتلال صحته طالبا البقاء في اجواء الصحراء الجافة المناسبة لحالته. ورغم غضب الهادي الشديد الا انه بقي غائبا غير مبال . يتبع