على أنّ الإشارات الأهمّ حول إمكانيّة تواصل النّشاط العسكري البحري انطلاقا من مدينة تونس توفّرها كتب فقه المالكيّة. تواصل ذلك على الأقلّ إلى حدّ أواسط القرن 3ه/9م، بما أنّ الفقيه الّذي وُجّهت إليه مسائل في هذا الشّأن هو سحنون بن سعيد (ت. 240/854)، قاضي الجماعة بالقيروان. أتته تلك المسائل من قاضي تونس شجرة بن عيسى (ت.262/875)، الّذي كتب إليه حول من «طالت غيبته في البحر، ولا وارث له»، كما كتب إليه حول حالة مشابهة لكنّ صاحبها «ترك أهله وولده في داره». وركوب البحر في هاتين الحالتين يمكن أن يكون بهدف ما يُسمّى بالجهاد البحري، ويمكن أن يكون بهدف الصّيد البحري أو التّجارة أيضا. إلّا أنّ الفتوى الآتيّة توضّح لنا جزئيّا المسألة. فقد كتب شجرة إلى سحنون حول «عَبِيدٍ ادّعوا أنّ سيّدهم حنث بعتقهم...»، «قبل خروجه إلى العسكر» فطالت غيبته. ما هو مصدر هؤلاء العبيد ؟ هل أنّه الجهاد البحري ؟ هذا ممكن. وردت فتوى أخرى في نوادر ابن أبي زيد (ت. 386/996) لها علاقة بهذا الموضوع، وقد حلّلها محمّد الطّالبي في إحدى مقالاته. فقد «أجاز» الإمام مالك بن أنس (ت. 179/795) خروج النّسوة «في الصّوائف والعساكر العظام» كما «أجاز أن يخرج الرّجل بأهله إلى الرّباط». وهنا يتدخّل سحنون (ت. 240/854) ليعلّق على قول مالك: «إلى المواضع المأمونة الكثيرة الأهل كالإسكندريّة وتونس». ويعقّب من جهته ابن أبي زيد: «وشكّ (سحنون) في صفاقس وسوسة، وأمّا غير هذين من سواحلنا، فلا يُخرج بهنّ إليها». فتونس حسب سحنون هي رباط مأمون مثل الإسكندريّة، بخلاف رباطي صفاقس وسوسة المشكوك في مدى توفّر الأمن فيهما حتّى يصطحب المرابط النّسوة، أمّا بقيّة الرّباطات بسواحل إفريقيّة فهي غير مأمونة. هل كانت فعلا مدينة تونس رباطا في القرن 3ه/9م ؟ لقد تحدّث البكري عن «معسكر تونس»، فيما ورد في مدوّنة سحنون قول للإمام مالك يُفيد أنّه لا يجوز «لأهل السّواحل أن يُصلّوا صلاة الخوف ركعتين، بل يصلّونها أربعا»، بخلاف «صلاة أهل الإسكندريّة وعسقلان وتونس». فحكم هذه المدن الثّلاث هو حكم الرّباطات التّي يجوز فيها تقصير الصّلاة. والتّقريب بين الإسكندريّة وتونس هو في الحقيقة يعود إلى الإمام مالك بن أنس، وقد استوحاه منه سحنون، أي أنه يعود إلى أواسط القرن 2ه/8م، وبالتّالي عهد الولاة حيث انتشر عدد من الآثار تتحدّث على رباط تونس، وقد بلغت تلك الآثار على الأرجح مالكا. يتبع