هو أبو يوسف يعقوب الدهماني أحد رموز صوفية القرنين السادس والسابع الهجريّين/12 - 13م، وكان في مقدمة المريدين الذين ارتحلوا إلى أبي مدين ببجاية سنة 570ه/1174م ولازموا مجالسه قبل ذلك بمسجد سوق السكاجين بالعاصمة. وقد كان مولد الدهماني بقرية المسروقين بمركز سيدي الهاني بالقيروان سنة 549ه/1154م. وتذكر مناقبه أنه نشأ بالقيروان وقرأ على أبي عبد الله محمد بن عمر بن جابر. وجمع أبو محمد بن الدباغ مناقبه في كتاب تحت عنوان «الأسرار الجلية في المناقب الدهمانية» وقد ألفه في حدود سنة 648ه/1250م حسبما أشار إلى ذلك في القصيدة التي رثاه بها ونسبها إلى بعض الطلبة في آخر الجزء الثاني. وتظهر مناقب أبي يوسف يعقوب الدهماني مدى ارتباط سيرة هذا الولي بحياة مجتمعه، وبتطلعات أفراده وهو ما جعل مناقبه ومآثره تتناقلها الألسن وتتداولها الذاكرة الشفوية بكل هيبة ووقار، كما يكشف نصّ المناقب عن سعة دراية أبي يوسف يعقوب الدهماني بأسرار المعارف الذوقية، ولا سيما ما يتصل منها بالعلوم الدينية. وقد توجّه الدهماني إلى الحج في سنة 595ه/1197م، وركب البحر مع زوجته وأولاده، ويذكر صاحب المعالم من التقى بهم في الحج من الشيوخ وما حصل له مع بعضهم من الكرامات: «ولقي الشيخ أبا عبد الله القرشي» واتفقت له معه كرامات ينقلها جماعة من العلماء والصلحاء مثل أبي عبد الله القرطبي. وورد في مناقب أبي يوسف أنه عندما زار أبا مدين شهد له بالقطابة، مثلما شهد بذلك لعبد العزيز المهدوي دون غيرهما من كبار الصوفية الذين زاروا هذا الشيخ ببجاية ونذكر منهم الطاهر المزوغي ومحمد الدباغ والد مؤلف معالم الايمان وأبا سعيد ال باجي. وقد رابط الشيخ بأماكن عدّة بالقيروان وبالمنستير، وظلّ يطلب العلم ويجاهد من أجل تحقيق الفتح الرباني الذي لم يتّضح له إلا عند زيارته لأبي مدين ببجاية. وقد كانت لأبي يوسف يعقوب الدهماني صلات بكبار الصوفية، ومن أبرزهم أبو علي النفطي وذلك أنه بعد أداء فريضة الحج، رجع إلى القيروان واجتمع بأبي علي النفطي بظاهر مدينة تونس، وظلّ معه نحو أربعة أشهر من سنة 599ه/1202 - 1203م. أما في شأن علاقته بعبد العزيز المهدوي فجاء أنه: «كان له أيضا صحبة طويلة واجتماع مع الشيخ أبي محمد عبد العزيز المهدوي بزويلة وبالمهدية».
