كان النبي صلى الله عليه وسلم يُراعي مشاعر السائل الفقير ولا يجرحه، وإن كان السائل لا يَستحِق المال ردَّه ردًّا جميلاً بكلمة طيبة، فعن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: «أخبرني رجلان أنهما أتيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصرَ وخفضه، فرآنا جَلْدين، فقال: إن شئتما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغني، ولا لقوي مُكتَسِب» رواه أحمد . ومن الخطأ الذي يقع فيه البعض تعنيف السائل وتغليظ القول له عندما يظن كذبه، فصِدْق السائل وكذبه علمه عند الله عز وجل، فيُعطى أو يُمنع من غير إهانة، بل يُمنع إذلاله أو المنّ عليه حتى مع العطاء، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يُكَلّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إِليهم، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عذاب ألِيم» قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مِرارٍ، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: (الْمُسْبِلُ والمَنَّانُ والمُنْفِقُ سلعته بالحلف الكاذب) رواه مسلم. والمنان: الذي يَمن بما أعطى، إذا أحسن إلى أحد بشيء جعل يمن عليه: فعلتُ بك كذا، وفعلت بك كذا، و(المنّ) من كبائر الذنوب؛ لأن عليه هذا الوعيد، وهو مبطل للأجر لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى» «البقرة:264». ومن مراعاة مشاعر الآخرين في السيرة والسنة النبوية عدم إزعاجهم برفع الصوت ولو كان ذلك بقراءة القرآن الكريم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «اعتكف رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السِتر وقال: (ألا إن كلكم مُناجٍ ربَّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة) رواه أبو داود . والمزاح أمر مشروع وذلك لحاجة الفطرة الإنسانية إلى شيء من الترويح الذي يخفف عنها أعباء الحياة وهمومها، ولا حرج فيه ما دام منضبطاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي، أو ترويع الآخرين وجرح مشاعرهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ويداعب أصحابه ولا يقول إلا حقاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قالوا يا رسول الله! إنك تداعبنا، قال: نعم، غير أني لا أقول إلا حقاً» رواه الترمذي. وعن يزيد الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأخذن أحدُكم متاعَ أخيه لاعباً ولا جادًّا» رواه أبو داود ومما حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن نشعر بحاجة الآخرين، وأن نسارع في قضائها لهم ومساعدتهم فيها دون أن نُعَرِّضهم إلى المسألة التي تجرح مشاعرهم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «بينما نحن في سفرٍ مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصرَه يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان معه فضل ظهرٍ فليَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زادٍ فليَعُدْ به على من لا زاد له» (الظهر) الدابة يركب عليها. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضل» رواه مسلم. يتبع