كانت دولة الرشيد قوية بالعلم والعلماء والاختراعات اضافة الى قوة جيشها العظيم الذي ارهب الممالك شقا وغربا، في وقت كانت اوروبا تعيش عصر الظلام والجهل وهذا ما توضحه قصة هارون مع شارلمان ملك فرنسا الذي كانت له سطوة على كامل غرب اوروبا بعد ان استولى على لمبارديا وقاد طوائف السكسون التي كانت في جرمانيا واستولى على المانيا وايطاليا، فكان يسعى الى نقل بعض من العلوم الى اوروبا التي كانت في ذلك العصر تقبع في ظلمات التاريخ وتتخبط في الاساطير تحت حكم الكنيسة المغرق في الاوهام، وكانت بلاد الاندلس الاسلامية تعد مفخرة المعارف في ذلك العصر وتحولت بالنسبة لاوروبا الى عقدة عظيمة وحاول شارلمان استجلاب المعارف والقوانين الاسلامية طلبا لنيل بعض الاسباب التي تؤدي الى الازدهار والتنمية الحضارية، كما وكان له طموح في ان يكون حاميا لمسيحيين في البلاد الاسلامية وخصوصا زائري القدس فارسل الى بغداد سفراء يستجلبون رضى الرشيد وعلى راسهم احد اليهود يقال له اسحاق وزوده بهدايا كثيرة الى هارون، وبعد اربع سنين عاد اسحاق مع ثلاثة من رجال الرشيد محملا بالهدايا ومن جملتها ساعة من اختراع بعض المهندسين في بلاط هارون وكانت هذه الساعة مصنوعة من النحاس الاصفر ويبلغ ارتفاعها اربعة امتار وتتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية يتبع بعضها البعض بحسب الساعات فوق قاعدة نحاسية فتحدث رنينا يشيع البهجة في انحاء المكان وتروي الروايات في مبالغات كثيرة انه كان من غرائب هذه الساعة انها تفتح بابا من الابواب الاثني عشر المؤدية الى داخل الساعة ويخرج منه مجسم لفارس يدور حول الساعة ثم يعود الى المكان الذي خرج منه فاذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من ابواب الساعة اثنا عشر فارسا مرة واحدة يدورون دورة كاملة ثم يعودون من حيث اتوا وتغلق الابواب خلفهم. وقد اثارت تلك الساعة دهشة الملك شارلمان وحاشيته الى حد ان رهبان الملك اعتقدوا ان شيطانا يسكنها ويحركها فحمل كل واحد منهم فأسا وجاؤوا اليها ليلا وحطموها، وكانت المفاجأة التي تحولت لديهم الى صدمة بعد ان اكتشفوا ان الساعة لا يوجد بها شيء سوى الالتها وان خرافة الشياطين التي تسكنها كانت بسبب جهلهم الفاضح. وحزن الملك شارلمان حزنا بالغا واستدعى حشدا من خيرة العلماء والصناع المهرة في محاولة لاصلاح الساعة ولكن محاولاتهم باءت بالفشل وخجل ملك فرنسا ان يرسل لهارون في طلب من يصلحها خشية اظهار ضعف وعجز دولته. ورغم ان هذه القصة قد انتقدها كثير من المؤرخين فزاد بعضهم وانقص البعض الاخر في تفاصيل الحكاية فان ما يهم التوقف عنده وهو محل اجماع عند كل من ذكر الحادثة ان البون كان شاسعا بين الحضارة العربية في عهد هارون الرشيد وبين اوروبا في ذلك العصر. يتبع