قرر الخليفة هارون الرشيد القضاء على البرامكة واغلاق ملفهم الذي ظل لفترة محل تجاذب وكثرت حوله الوشايات والدسائس ولم يعد من الممكن السكوت عليه فطلب الرشيد قائد شرطته المخلص مسرور وقال له ائتني بجعفر البرمكي الساعة، وقل له: وَرَدَتْ كُتُبٌ مِنْ خراسان، والخليفة يريد رأيك فيها، فإذا دخل الباب الأول فأوْقِفِ الجند الذي يحرسه ، وإذا دخل الباب الثاني فأَوْقِفِ الغلمان الذين يرافقونه ، وإذا دخل الباب الثالث فلا تَدَعْ أحدًا يَدْخل عليه من غلمانه، بل يَدْخل هو وحْده، فإذا دخل صحن الدار فمِلْ به إلى القبة التركية، ثم اضرب عنقه، وائتني برأسه. ولا تُوقف أحدًا من خلق لله على ما أمرتك به، ولا تراجعني في أمره، وإن لَمْ تَفْعَلْ أَمَرْتُ من يضرب عنقك فمضى مسرور، واستأذن على جعفر، ودخل عليه، وقد نزع ثيابه يستريح، فقال له يا سيدي اجب امير المؤمنين فانزعج وقال ويلك يا مسرور! أنا خرجت من عنده منذ ساعة فما الخبر فقال وردت كتب من خراسان تحتاج إلى النظر السريع فطابت نفسه ودعا بثيابه فلبسها، وتَقَلَّد سيفه، وذهب معه وفي قلبه بعض الشك. فلما دخل من الباب الأول أَوْقَفَ مسرورٌ الجندَ، وفي الباب الثاني أَوْقَفَ الغلمان، فلما مَرَّ من الباب الثالث التفَتَ فلم يَرَ أحدًا من غلمانه فندم على قدومه، وزاد الخوف في نفْسه وأدُخِل القبة فقال لمسرور ما الخبر قال له قد أمرني أمير المؤمنين بضرب عنقك، وحمل رأسك إليه الساعة فبكى جعفر، وجعل يُقبِّلُ يدي مسرور، ويقول قد علِمْت كرامتي لك دون جميع الناس، وأنت تعرف موضعي ومحلي من أمير المؤمنين؛ فلعل أمير المؤمنين أن يكون قد بلَغه عني باطل فدعني أهيم على وجهي فقال لا سبيل إلى ذلك قال فاحملني إليه، وأوقفني بين يديه؛ فلعله إذا وقع نظُرُه عليَّ أن تدركه الرحمة فيصْفَحَ عني قال « لا سبيل إلى ذلك أيضًا » قال فتوقف عني ساعة، وارجع إليه، وقل له: قد فرغت مما أمرتني به فقبل منه ذلك بعد أن حل سيفه ومنطقته وأخذهما، ومضى مسرور، ووقف بين يدي الرشيد فرآه غاضبًا أشد الغضب، فلما رآه قال متلهفًا ماذا فعَلْتَ بأمر جعفر قال يا أمير المؤمنين أنفذت أمرك فيه قال « فأين رأسه » قال « في القبة » قال الرشيد فأتني برأسه الساعة » فرجع مسرور، وجعفر يصلي؛ فسلَّ سيفه الذي أخذه منه، وضرب عنقه، وأخذ رأسه بلحيته، وطرحه بين يدي أمير المؤمنين، فتنفس الصعداء؛ بعد ان أنفذ تدبيره الذي أحكمه، وبكى بكاءً شديدًا على الصداقة الوثيقة التي كانت بينهما، وجعل ينكث الأرض، وقبض على أبيه وأخيه وجميع أولاد البرامكة، وغلمانهم ومواليهم، واستباح ما عندهم، وَوَجَّهَ مسرورًا إلى المعسكر فأخذ جميع ما فيه من مضارب وخيام وسلاح. يتبع