حمل البرامكة اعباء الخلافة منذ بداية عهد هارون الرشيد ، فكان يرجع اليهم في كل امر بل بالغ البعض حتى ظن الخليفة اصبح رهينة بين ايديهم فاتسع سلطانهم وعلا شأنهم وقصدهم الشعراء بالمدائح وساهمت سياستهم الهادئة في استجلاب العامة ومحبتهم لهم . وينتسب البرامكة الى برمك وكان كاهنا لبيت النار في مدينة بلخ المسمى النوبهار وهو معبد للديانة الزرادشتية وكانت هذه الديانة مملوءة بالطقوس المعقدة وبالسحر وبالاسرار فلما انتقلوا الى الاسلام لم تخل صدورهم من اثار هذه العقيدة . وبسبب تمكنهم من النظم الفارسية استطاعوا ان يخدموا الدولة الاسلامية خدمة كبرى بما نقل اليهم من كتب الفرس القديمة بل زادوا تأثيرا حتى في العادات والتقاليد . فلما ولي الرشيد الخلافة اسند ليحيى البرمكي الوزارة وكانت وزارة تفويض وهي الوزارة التي تستغني عن تواقيع الخليفة على عكس وزارة التنفيذ التي يباشرها الخليفة بنفسه. قام يحيى البرمكي بإدارة شؤون الدولة خير قيام وكان يساعده في ذلك ولَداه الفضل وجعفر، أما الفضل فقد كان إداريا ماهرا وظهرت مهارته في اخماد ثورة يحيى بن عبد الله العلوي دون أن يسفك دما وكان كريما سخيا، وقد ولاه الرشيد بلاد المشرق (خراسان وطبرستان وأرمينيا وبلاد ما وراء النهر) فقام الفضل هناك بأعمال إنشائية عظيمة الشأن من حفر القنوات وبناء المساجد والزوايا فحسنت سيرته في تلك البلاد. أما جعفر البرمكي وهو أصغر سنا من الفضل، فقد ولاه الرشيد على الجزيرة والشام ومصر وأفريقية وكان محبوبا لدى الرشيد فاستبقاه في بغداد كي يكون قريبا منه وهذه الثقة الكبيرة التي أولاها الرشيد لجعفر البرمكي جعلت له نفوذا في الدولة. وأعطى الرشيد البرامكة سلطات واسعة وأفسح لهم المجال في الإشراف على جميع مرافق الحياة العامة: في الإدارة والعلوم والفنون. وكان ان دخل ضمن اعوان الرشيد الفضل بن الربيع وتقرب اليه حتى عينه حاجبه الخاص وكان يحقد عليهم لعظم سلطانهم ولغيرته منهم فكان يدس لهم الدسائس ويوغر صدر الخليفة عليهم باتهامهم بانهم يعملون للوصول الى الخلافة ويروي في شأنهم بعض الاكاذيب التي تشوههم مثل اتهامهم بالزندقة والوثنية والالحاد وانهم يَحِنُّون إلى دِين أبيهم القديم؛ بدليل أَنَّ قُصُورهم فيها مخابئ تحت الأرض، تحوي الشعائر القديمة الزرادشتية، وهم يتعبدون فيها خفية عن الناس، ويحذره من أنهم يؤيدون العلويين سرٍّا، ويودون نقل الخلافة إليهم وكانت تُعَاوِنُه على ذلك زُبَيْدَة زوجة الرشيد بأحاديثها في نفس الاتجاه بالطعن على البرامكة؛ فقد كانت تكرههم، وتود زوال سُلْطتهم؛ حبٍّا في الرشيد، ورجوع السلطة إليه وإليها اضافة الى انها كانت تناصر ابنها الامين وتعده لخلافة والده من بعده . وعلى الرغم من اهتمام المؤرخين بحادثة نكبة البرامكة إلا أن أسبابها ودوافعها ظلت غامضة ومجهولة وأشار المؤرخون أمثال الطبري واليعقوبي وأبو الفداء والمسعودي أن سبب غضب الرشيد على البرامكة وسخطه عليهم أمر مختلف فيه، وقد ذكر المؤرخون العديد من الأسباب واختلفوا في تعليلها وأخذوا يرجحون بعضها على بعض. يتبع