اعتبر كثير من الباحثين أن نكبة البرامكة ترجع إلى حد كبير إلى ذلك الصراع الخفي الذي كان قائما بين حزبي العرب والعجم والذي ظل مستمرا بعد ذلك أيام الأمين والمأمون. ففي عهد الرشيد ظهر الصراع بين العرب والعجم بوضوح حينما عهد إلى ابنه الأمين بولاية العهد من بعده سنة 175 ه، وذلك تحت تأثير الحزب العربي الممثل في زوجته زبيدة بنت جعفر وحاجبه الفضل بن الربيع، وكان الأمين في الخامسة من عمره مما يدل على أنها كانت لها دلالة خاصة وهي ضمان الخلافة للعصبية العربية، ولم يرض الجانب الفارسي وعلى رأسه البرامكة بهذا الوضع فأخذوا يسعون لدى الرشيد حتى نجحوا في جعله يعهد إلى ولده المأمون بولاية العهد بعد الأمين سنة 182 ه، على أن يتولى المأمون ولاية المشرق بعد وفاة أبيه بمعنى أن خلافة الأمين بعد وفاة والده تصبح على بلاد المشرق خلافة صورية والمعروف أن المأمون كان من أم فارسية ولهذا أيده البرامكة. في سنة 186 ه حج الرشيد ومعه ابناؤه الأمين والمأمون وهناك في البيت الحرام أخذ عليهما المواثيق المؤكدة بأن يخلص كل منهما لأخيه وأن يترك الأمين للمأمون كل ما عهد اليه من بلاد المشرق، ثغورها وكورها وجندها وخراجها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشورها وبريدها، وسجل الرشيد هذه المواثيق على شكل مراسيم وعلقها في الكعبة لتزيد في قدسيتها، ويؤكد تنفيذها كما كتب منشورا عامًا بهذا المعنى للآفاق. وبذلك ضمن العرب الخلافة للعربي النسب والعجم بزعامة البرامكة ضمنوا الشرق لرجل أخواله عجم . ولم تقف الدسائس عند هذا الحد، بل أخذ اعوان الحاشية يوغرون صدر الرشيد ضد البرامكة ويحذرونه من استبدادهم بالأمر وخلعهم له وصار الرشيد يتلقى رقاعا غفلا من التوقيع تصور خطورة الحالة، وأدت كثرة الدسائس إلى إفزاع الرشيد وجعلته يشعر بأنه صار مغلوبا على أمره وأن البرامكة شاركوه في سلطانه بشكل أخل بتوازن الدولة وسلامتها . فلما اعتزم الرشيد أن ينكب البرامكة، كان قد قرر بعد طول التفكير أنْ لا يُظْهِرَ ذلك لأحد نادى جعفر بن يحيى وَسلَّمَ عليه فَرَدَّ السلام أحسن رد، ورحب به، وضحِكَ في وجهه ولم يظهر له مما يبيت له شيئا ، وأجلسه في مرتبته، وكانت مرتبته أقرب المراتب إلى أمير المؤمنين، ثم حدثه وضاحكه، فأخرج جعفر الكتب الواردة عليه من النواحي فقرأها عليه، وأخذ رأي الرشيد فيها، وقضى حوائج الناس، ثم استأذنه جعفر في الخروج إلى خراسان في يومه هذا، فدعا الرشيد بالمُنَجِّمِ — كالعادة — فقال المُنَجِّم: هذا يوم نحس، وهذه ساعة نحس. ولا يبعد أن يكون الرشيد اتَّفَقَ مع المُنَجِّم على ذلك ليصده عن السفر. فقام جعفر وانصرف إلى منزله، والناس والقواد والخاصة والعامة يعظمونه من كل جانب، إلى أن وصل إلى قصره في جيش عظيم . يتبع