مثلت زاوية السيدة منوبية البيت العائلي للوليَة الصالحة السيدة عائشة المنوبية بحي منّوبة، الذي ولدت سنة 595ه/ 1197م وإليه رجعت في اواخر حياتها أين توفيت سنة 665ه/ 1267م لكنها لم تدفن به، وهي واحدة من أشهر نساء تونس،عرفت بتصوَفها وأعمالها الخيرية، وتتلمذت على يد «أبو سعيد الباجي» و»أبو الحسن الشاذلي»، وتلقّت دعمًا من والدها لمواصلة تعليمها، واعتُبِر بروزها كإمرأة ذات سيط عالي من المعرفة والعلم والنشاط الدَعوي والخيري حدثًا غير مألوف في عصرها، وقد قام أهالي منوبة ببناء زاوية تكريمًا لها حملت اسم «زاوية السيدة المنوبية»، وقد نالت هذه الزاوية التي نُسبت إلى عائشة ولم تدفن فيها، مكانة هامة في تاريخ البلاد التونسية.خلال العهد الحفصي كانت المعرفة حكرا على الرجال أو بعض النساء من العائلة الحاكمة، لذلك مثّلت السيّدة المنوبية استثناءً خاصّة وأنّها تنحدر من عائلة فقيرة. مكّنها نبوغها من الاختلاط بعلية القوم مثل الأمير الحفصي أبي محمد عبد الواحد، وتعلّم الكثير من أبي سعيد الباجي والتقرّب من أبي الحسن الشاذلي (الطريقة الشاذلية) وقد أصبح فيما بعد معلّمها الروحيّ. هي عائشة ابنة الشيخ أبي موسى عمران بالحاج سليمان المنوبي، وأمّها فاطمة بنت عبد السميع، ومولدها بقرية منوبة (غربي مدينة تونس). علّمها أبوها القرآن حتى حفظته، واعتنى بتربيتها، وقد كانت لها ميول زهديّة صوفيّة منذ حداثة سنّها كما ورد في مناقبها، إذ كانت تؤثر السياحات الروحية وزيارة مقامات الأولياء والاكثار من الذكر والتأمّل، وقد لاحت عليها علامات الصلاح فآثرت الانقطاع إلى المجاهدة الروحية ومداومة الذكر فقطنت منزلا خارج ربض رياض السعود. وتذكر مناقبها أنّها كانت كثيرة التردّد على جامع الصفصافة وجبل الزلاج ومقبرة بني خراسان (بالقرب من باب منارة) ومغارة الشاذلي. وكان محمد بن محمد الأربضي من خدامها وكان من أصحابها في الصلاح الشيخ عثمان الحدادوكانت تلازمه في التلاوة والذكر. وكان رموز التصوّف الكبار من القائلين بالعشق الالهي أمثال رابعة العدوية والبسطامي والحلاج وابن الفارض والجيلاني مثلها الأعلى، وظلّ التغنّي بالحب الالهي شاغلا أساسا في حياتها. وظهر في كلامها الميل إلى عبارات العشق والفناء والسكر ولعلّ ذلك يتّضح من خلال قولها «أنا سكرانه طول حياتي». وكانت ترى أنّ الذكر يكون بالقلب أساسا ذلك أنّه، على حد عبارتها، «لا خير في ذكر باللسان والقلب غائب» وذلك في معرض حديثها عن هيامها بالمحبة الالهية. ولم يكن تصوفها تبتلاّ وانقطاعا عن الدنيا بل كانت على صلة وثيقة بالشواغل اليوميّة لمجتمعها، تسعى إلى قضاء حوائج الناس وتحقيق سعادتهم. قال حسن حسني عبد الوهاب:» يروى عنها أنّه إذا بات بجيبها درهم، ولم تتصدّق به تقول: الليلة عبادتي ناقصة».وتتداخل مضامين فصول مناقبها فيما بينها ويحيل بعضها على بعض بين ذكر كرامات السيدة المنوبية والحديث عن سيرها في الطريق الصّوفي. كما تتراوح فقرات نصّ المناقب بين الحديث عن استغاثة الناس بها وقضاء حوائجهم وإظهار قدرتها على الاحاطة بأسرار العلوم الدينيّة والمعرفة الذوقية. ومازالت الزيارات إلى مقامها متواصلة إلى اليوم ومازالت تقام لها الخرجات الصوفيّة وحلقات الذّكر.