في المُدّة الأخيرة تحرّكت الطّبقة السياسية كما لم تتحرّك من قبل: تنقلات إلى الجهات واجتماعات وحضور اعلامي مكثف ومؤتمرات انتخابية و»سياحة» حزبية وبرلمانية وندوات وإعلان تحالفات.. تحركات جاءت في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها بحكم اقتراب موعد الانتخابات غير ان هذه التحركات لم تستند إلى تنافس عبر قواعد الممارسة السياسية الحقيقية والسليمة بل إلى الصراعات الحزبية والشخصية الضيقة وإلى تقديم الوعود الزائفة والوهمية للمواطن.. فالسياسيون لم يُبدوا في حملاتهم هذه أدنى اهتمام بالتنافس عبر الافكار والبرامج المستقبلية والمشاريع الواقعية القابلة للتحقيق كما في الديمقراطيات الكبرى حيث تتنافس الأحزاب من أجل تقديم حلول في شتى مجالات الحياة تُحقق التقدم والرقي للوطن وللمواطن وتؤدي الى النمو الاقتصادي والاجتماعي. أما في تونس فقد أصبح التنافس بين السياسيين والاحزاب تنافسا أعمى لا يتراءى فيه أمامهم غير كراسي السلطة دون إيلاء اهتمام بتحقيق الوعود المقدمة الى الناخبين بمناسبة الحملات الانتخابية وبذلك تحول تنافسهم إلى مصدر إرباك للدولة وللشأن العام وإلى مساهم بارز في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي لا تتخبط فيها البلاد. في انتخابات 2014، قدّمت الأحزاب المترشحة للانتخابات برامج انتخابية متنوعة وغمرت المواطن وزينت أمامه المستقبل بمختلف الوعود، فتقدم إلى صناديق الاقتراع واختار من سيمثله ويحكمه.. لكن بعد مرور 5 سنوات، اكتشف أن تلك الوعود بقيت حبرا على ورق بعد أن تجاهلها أصحابها وانشغلوا بالسلطة وبصراع البقاء. وقد فات المواطن آنذاك أن اغلب تلك الوعود كانت وهمية وغير قابلة للتحقيق على أرض الواقع لكنه صدّقها وصوت لفائدة من أطلق تلك الوعود. اليوم، على الطبقة السياسية والحزبية أن تتنافس استنادا إلى برامج وأفكار ومشاريع حقيقية لا إلى المعارك والمناورات وثلب الآخر والنزول بمستوى الخطاب السياسي وهتك الأعراض والخصوصيات.. واليوم على الطبقة السياسية والحزبية أن تعي جيدا أن عهد تقديم الوعود الوهمية والزائفة للناخب انقضى وأن تكون بمناسبة الانتخابات القادمة أكثر احتراما للناخب وأن تقدم له وعودا حقيقية وبرامج واقعية قابلة للتحقيق تعيد اليه الأمل في حياة تتوفر بها مقومات العيش الكريم والهدوء والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فاليوم، مع ارتفاع عدد المُسجلين للانتخابات واتساع رقعتهم نحو جيل «آخر» من الناخبين، قد لا تنطلي هذه المرة حيل الوعود الزائفة والوهمية، ليكون المجال مفتوحا أمام التصويت العقابي ضد كل من لا يحترم عقل الناخب.