لم ينتظر حتى يحسموا تردداتهم قال كلمته ومشى. خرج إلى الطريق وسار باتزان محاولا أن يمتص الألم الحاد الذي يمزق ساقه بين أسنانه متجها نحو بيت خاله الحاج خير الله طلفاح، كانت هذه هي المرة الأولى التي ينام فيها خارج دارهم وكان من الطبيعي أن تستقبله العيون بالأسئلة المحرجة :أين كنت؟لماذا تأخرت؟ أين نمت البارحة؟ قال في هدوء: صار منع التجول ولم أتمكن من الوصول إلى البيت فنمت في أحد الفنادق ولكنهم لاحظوا أنه يعرج على ساقه قليلا. فقال على الفور : لما صار الركض في الشوارع سقطت على الأرض وأنا أركض حتى أصل إلى البيت في الوقت المناسب ومع ذلك لم أتمكن وهي الآن تؤلمني قليلا... وتركهم متجنب المزيد من الأسئلة وصعد إلى غرفته في الطابق الثاني حتى ينام. فجأة دخل خاله عبد اللطيف غرفته وهو يحاول الاستلقاء على الفراش وقال له : - هه. ألم يمت؟ - من هو؟ - عبد الكريم قاسم عقدت الدهشة لسانه ولكنه تمالك نفسه وقال في لا مبالاة مصطنعة وكأن الأمر لا يعنيه : - وما أدراني أنا به؟ - صدام أتنكر علي أنا؟ لقد رأيتك بعيني من شرفة حازم البكري بشارع الرشيد وأنت ترتدي «جاكتتي» وتطلق النار على عبد الكريم قاسم.. رئيس الوزراء.. وهو يعبر الطريق كل هذا وتنكر؟ قال له صدام : مادمت قد رأيتني فأرجو أن تعاونني أنا أريد بعض حقن – إلانتي بيوتيك – حتى يشفى جرحي سأقول للمضمد إن لدي التهابا في اللوزتين وبالفعل بدأ يتعاطى الحقن حتى يكف الجرح عن إيلامه وكان عليه أن يعود إلى مدرسته حتى لا يلفت الانتباه إليه بتغيبه. على الأقل يذهب في البداية ثم يطلب إجازة من الدراسة بحجة المرض. كان حينذاك في الصف النهائي بالمدرسة الثانوية ولم يكن بوسعه الاستمرار العادي في الدراسة حتى لا يتعرض لأسئلة الطلاب الأشد إحراجا حول الجرح الذي يتلظى في ساقه. عندما كان خارجا من باب المدرسة حاملا كتبه وجد أمامه فجأة عبد الخالق. قال له على الفور : - قل لي هل تعرف إياد سعيد ثابت؟ - لا لا أعرفه. - هل تعرف خالد علي صالح؟ - لا لا اعرفه. - هل تعرف سمير النجم؟ - لا لا أعرفه - طيب أنا لا أريد أن أسالك الآن عمن تعرف أو لا تعرف. المهم إنني أريد أن أقول لك إن هؤلاء جميعا كانوا في احد الأوكار في الكرادة الشرقية. وقد هاجم البوليس الوكر وقبض عليهم كلهم... فإذا كانت لديك علاقة بأي منهم انتبه لنفسك.. هكذا إذن. بعد خروجه من الوكر بساعات وقع الرفاق كما توقع لهم في أيدي السلطة ماذا عليه أن يفعل الآن؟ حث خطاه مسرعا نحو البيت دخل إلى غرفته مباشرة وسحب ألبوم صور كان يضم صورا عديدة له مع بعض رفاقه ثم دخل إلى غرفة عدنان خير الله ابن خاله وسحب ألبوم صوره أيضا وكان يضم كذلك مجموعة من الصور المشتركة واحرق الصور جميعا ثم قرر أن يغادر البيت في نفس اللحظة. وبعد أن غادر البيت بربع ساعة هاجمت البيت مفرزة الشرطة. مضى صوب جسر الشهداء ليحوم حول الفندق الصغير الذي كان يقيم به عبد الخالق السامرائي صلته بالحزب حتى يستفسر منه عن إمكانية في معاونته على الهروب في الطريق صادفه زميل كان متعلقا بسلم حافلة نقل الركاب قفز منه وجاء إليه يحييه بصوت عال حيث يتطلب الأمر إخفاض الصوت حتى يكاد لا يسمع وهو لا يعرف شيئا عما يجري في هذه اللحظة وفي تلك اللحظة وإذا بشابين قد خفت شفاهما من اللهاث وهما يتمتمان بكلمات استطاع أن يفهم منها أن الشرطة قد داهمت بيت خاله. لم يعد هناك ما يمكن إخفاءه بعد أن اقتحمت الشرطة بيته. (يتبع)