يبقى الموسيقار العميد محمد التريكي من ابرز الموسيقيين التونسيين وشاهد على العصر بأتم ما في الكلمة من معنى ، فقد عاش قرنا من الزمن ، وترك رصيدا هائلا من الأعمال الموسيقية تعليما وترقيما وتلحينا وغناء … أتقن العزف على آلة «الكمان» ودرس طريقة عزفها، كما درس المواد الموسيقية في إطار المعهد الرشيدي ومعاهد التربية والتعليم ، حيث تتلمذ على يد العديد من الموسيقيين التونسيين ، واشرف على تدوين الموسيقي لنوبات « المالوف التونسي» كما سبقت الإشارة الى ذلك وتلحينه مجموعة من الأزجال والأغاني العتيقة و «الفوندوات» لحن أيضا الأغاني العاطفية والقصائد والموشحات بالإضافة إلى الأناشيد والموسيقى العسكرية ، إلى جانب تلحينه «لاوبيريت» المسرح كما وضع أول لحن للموسيقى التصويرية، لفيلم «مجنون القيروان » وهو أول فيلم تونسي صور قبل الاستقلال . يقدم الفيلم قصة عاشق يحب فتاته في مدينة القيروان إلى درجة الجنون، لكن أهل الفتاة يرفضون أن يزوجوا ابنتهم للشاب العاشق، ويقومون بعقد قرانها على شاب آخر يختارونه بأنفسهم، وعقب ذلك يهيم على وجه الأرض مجنونًا. كتب الفيلم بول هيف واخرجه كروزي ومن ابطاله فليفلة الشامية ومحي الدين بن مراد وسلمى رضا ومحمد الجموسي ومجال التلحين بالنسبة لمحمد التريكي ستبقى أغنية «زعمة يصافي الدهر»ابداعا موسيقيا وغنائيا استثنائيا فسبب تلحينها يعود إلى أن محمد التريكي في شبابه عاش أعنف قصة غرامية مع ابنة الجيران ، كان ذلك في أواخر العشرينات، ولكنه عندما حاول أن يتقدم لخطبتها ، اصطدم بنظرة الدون والاحتقار التي كان ينظر بها المجتمع التونسي لأهل الفن والموسيقى والمغنى في ذلك العصر، فضلا عن انه كان من العار آن تتزوج بنات العائلات في ذلك الوقت من فنان ، فحز في نفسه ذلك الموقف ويقال انه مرض ولازم الفراش ، من شدة تلك الصدمة التي لم يكن يتوقعها ، وقد زاره صديقه الشاعر محمود بورقيبة للتخفيف عنه ، ولما عرف سبب المرض كتب له أغنية «زعمة يصافي الدهر» ولحنها هو بكل جوارحه وأدتها المطربة صليحة كما ينبغي ولعلها بقيت أحسن تذكار لقصة حب واقعية نهايتها مؤلمة.