في بداية عهد سيدنا أبي بكر الصدّيق إثر توليه الخلافة كانت الرياح العاصفة تضرب من كل الجهات.. في المدينة مرجفون ومنافقون ويهود يتحينون الفرص ويصطادون لحظة تضعف فيها شوكة المسلمين لينقضوا على الحكم الذي لم يكن قد وطّد أركانه بعد. حروب الردّة تطل برأسها في اليمن والجزيرة العربية وجبهات عديدة كان يتوجب التحرّك عليها في آن واحد لإخماد نيران الفتنة وإعادة توحيد كلمة المسلمين تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». فوق هذا كانت بذور الفتنة تجد طريقها بين مريدي علي وشيعته الذين كانوا يرون أحقيته بالخلافة على أساس أنه من أهل البيت وعلى أساس موقعه من محمد وفي سيرورة الدعوة المحمدية ككل. بذور قاومها الإمام علي رضي الله عنه وردع أصحابها لكنه لم يفلح في نزعها من قلوبهم ومن عقولهم لتبقى كامنة داخلهم في انتظار لحظات مواتية. بايع الإمام خليفة رسول الله ﷺ أبا بكر بيقين وإخلاص ونصح الخليفة بضرورة التعجيل بخوض حروب الردة وكسر شوكة دعاتها. وتمضي الشهور وتتحرك جيوش الاسلام وتكسر شوكة المرتدين وتطفئ نيران الفتنة ويرسل أبوبكر الجيوش الاسلامية في كل الاتجاهات لمحاربة الروم وإبلاغ رسالة الاسلام ويصاب الخليفة بمرض ألزمه الفراش وانتهى به الى اللحاق بحبيبه محمد ﷺ يوم اثنين كما مات الرسول وعن سن 63 عاما بعد ان أوصى بدفنه بجانب قبر صاحبه، وحين علم الإمام علي بالخبر أسرع الى بيت أبي بكر ورثاه بخطبة ستظل خالدة أبد الدهر قال فيها بالخصوص: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف الرسول ﷺ وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته» الى أن قال: «والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله بمثلك أبدا كنت للدين عزا وحرزا وكهفا فالحقك الله عز وجل بنبيك محمد ﷺ. لا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك». وقد حرص أبوبكر على أن يوصي بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب حتى يجنب المسلمين نيران الفتن والصراعات التي كانت قد أطلت برأسها وحامت في مجملها حول الإمام علي وحول أحقيته بالخلافة وهي مزاعم سفّهها الإمام علي ويروي عنه ابنه محمد بن علي بن ابي طالب انه قال لوالده: أي الناس خير بعد رسول الله ﷺ، قال: أبوبكر. قلت ثم من؟ قال ثم عمر وخشيت ان يقول ثم عثمان فقلت أنت. قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين». وهذه القناعات سوف تقوده في علاقة بموقفه من انتقال السلطة من سيدينا أبي بكر الى سيدنا عمر ومن بعده الى سيدنا عثمان بن عفان. وهو ما يبرئ الإمام نهائيا من كل المزاعم حول تطلعه الى تولي الخلافة والقول بأحقيته بها على أساس انه من آل البيت. وهو ما سنتوقف عنده في حلقات قادمة.