المرجفون في المدينة كثر... والمنافقون في المدينة وفي ديار العرب والمتربصون بالاسلام والمسلمون في تزايد بعد أن علموا بمرض الرسول ﷺ ثم وفاته. وبين ساع لبث سموم الفرقة واشعال نيران الفتنة وبين مدّعيي النبوّة تعالت الهواجس وتلبّدت السحب في المدينة وحولها.. وكثرت الاجتهادات والآراء وبدا خليفة رسول الله ﷺ وصدّيق الأمة في وضع حرج. كيف يتصرف إزاء المرتدين ومدعيي النبوّة؟ هل يشهر سيف الحرب في وجوههم لإخماد الفتنة نهائيا؟ أم يأخذهم باللين ويجادلهم بالتي هي أحسن الى حين مرور العاصفة وتوطّد أركان الدولة التي تلقت ضربة قوية بوفاة الرسول والتوافق الصعب على خلافته. وهنا يبرز موقف الإمام علي رضي الله عنه. ورغم أن بعض المرجفين والمشككين قالوا بمعارضته لحروب الردّة فإن الروايات الأدق والأقوى سندا هي تلك التي أفاضت في شرح وتفسير موقفه من توجيه جيوش الاسلام لمحاربة المرتدين. وقد أورد المتقي الهندي في «كنز العمال» ان سيدنا أبا بكر استشار عليا في حرب المرتدين وأن الإمام قال له: إن الله جمع الصلاة والزكاة ولا أرى أن تفرق.. وذلك في سياق تعليقه على تعمد شق من المرتدين الامتناع عن أداء الزكاة مع تمسكهم بالصلاة وكأنما كانوا يؤدونها للرسول ﷺ وبما أن الرسول رحل فأنهم قالوا بالتوقف عن أداء الزكاة وهي ركن من أركان الاسلام. وتروي المراجع وفي طليعتها «الرياض النضرة في مناقب العشرة» لمحب الدين الطبري ان عليّا شجع سيدنا أبا بكر في قتال أهل الردّة بل وألحّ عليه لقتالهم وقال له: «إن تركت شيئا مما أخذ رسول الله منهم فأنت على خلاف بسنة رسول الله» لكن المراجع التي تواتر أصحابها على ذكر حماس الإمام لقتال المرتدين ومسارعته لمبايعة أبي بكر للخلافة من باب قطع الطريق على الفتن لا تذكر تفاصيل كثيرة عن اشتراك الإمام في حروب أهل الردّة.. وتنقل المصادر أن الإمام «نهض لقتال المرتدين» ولكنها لا تقول هل كانت تلك النهضة في شكل مشورة وتحريض كما ورد آنفا؟ أم أنها كانت في صيغة مشاركة عسكرية في القتال. وتذهب روايات أهل الشيعة حد الحديث عن معارضة سيدنا علي لحروب الردّة على أساس رفضه تولي سيدنا أبي بكر الخلافة قبله هو وهو من أهل البيت ليصبح بمثابة الشيء العبثي ان يشترك في حروب الهدف منها توطيد الأمر للخليفة أبا بكر والحال انه يرى بأحقيته بالخلافة. ويستند هؤلاء على غياب أي أثر لاشتراك علي في حروب الردّة وهو الذي ملأت أخبار بلائه في الغزوات كل الدنيا لكن هذه الأقاويل تتحطم على جدار مبايعة الإمام لأبي بكر فلو كان معترضا لما أقدم على هذه الخطوة ولما شجّعه على قتال المرتدين توطيدا لدولة الاسلام التي لو نال منها المرتدون فإن الكل سيتضرر بما فيهم الإمام علي وآل البيت. وعلى كل فستكون بهذا الخلاف حروب الردّة من البذور الأولى التي افتعلها شيعة علي والتي ستأخذ أشكالا وتعبيرات أخرى مع الأيام.