أعلن العميد هيثم زناد الناطق الرسمي باسم الديوانة في إحالة ملفات 29 من رؤوس التهريب الى القضاء لاستخلاص مبالغ تناهز 6 مليارات من الدنانير مشددا على ان الحرب على الفساد لن تتوقف. * «الشروق» : تونس وأكد في حوار شامل مع «الشروق» ان منظومة الرقابة الديوانية تؤمن رصد الحاويات المشبوهة قبل وصولها الى تونس. الحوار الذي تناول أيضا تهريب الذهب والعملة الصعبة وظاهرة «الفوشيك» في رمضان بدأ بهذا السؤال: بعد انقضاء قرابة عامين على إعلان الحرب على الفساد بدأنا نحسن بتباطؤ في فتح ملفات الفساد من قبل جهاز الأبحاث الديوانية، وكأن هذا الملف قد أغلق؟ قطعا لا فالحكومة ماضية في تعميم هذا التمشي بمنطق المراجعة الجبائية المعمقة التي تهدف الى استرجاع كل فلس من أموال الدولة المتفصّ عن دفعها سواء من خلال نشاط التهريب او عبر التصاريح الديوانية المغلوطة بالنسبة الى التوريد النظم... وهذا يعكس ضمنيا الطبيعة المعقدة لهذا العمل الذي يقتضي إجراء عدة تقاطعات والعودة عدة سنوات الى الوراء... ورغم ذلك فإن جهاز الابحاث الديوانية تمكن من انهاء 29 ملفا وإحالتهم إما على المحاكم العدلية او القطب القضائي المالي علما أن الطلبات المالية للإدارة بالنسبة الى هذه الملفات تفوق ستة مليارات من الدنانير هي قيمة الأداءات المتفصّى عن دفعها وإجمالي الخطايا المترتبة عليها. لكن الاقتصاد الموازي يناهز اليوم ٪55 من الناتج الداخلي ومن ثمة فإن الاكتفاء يفتح ملفات 29 من رؤوس التهريب او التوريد العشوائي هو بمثابة قطرة ماء في قارورة؟ أولا هناك اليوم عدة مؤشرات تؤكد ان احتكار الاقتصاد الموازي لنصف العجلة الاقتصادية هو تقييم مبالغ فيه إذ يوجد فعلا منحى تراجع لهذه الظاهرة منذ نحو عامين على الاقل تؤكده عدة معطيات منها ارتفاع أسعار عدة منتوجات موردة في السوق او فقدانها كليا بفعل تشديد الرقابة وبالتالي اخضاعها الى معاليم التوريد الحقيقية.. كما أن الحرب على الفساد لم تتوقف عند 29 ملفا إذ أن جهاز الأبحاث الديوانية يواصل الاشتغال على مئات الملفات الأخرى.. علما أن العمل الاستعلاماتي المعمّق الذي يعتمد عليه تفكيك هذه الملفات قد أفضى الى كشف تجاوزات أخرى لا تقل خطورة. على غرار شبكات تهريب الأموال الى الخارج؟ بالفعل... فعلى سبيل المثال أدت المراجعة الجبائية المعمقة المجراة على أحد الموردين بجهة صفاقس الى تفكيك شبكة خطيرة لتهريب الأموال الى الخارج باعتماد تصاريح توريد مزوّرة وتواطؤ من مسؤولين في بنك خاص.. علما أن الابحاث المنجزة في إطار هذا الملف أدت الى حد الآن الى إيقاف مسؤولين اثنين في البنك المذكور فيما لايزال المورد في حالة فرار.. هذا الملف يجرنا الى الرهان الذي يطرحه انزلاق الدينار التونسي وهو تنامي ظاهرة تهريب العملة الصعبة الى الخارج حتى في القطاع المنظم عبر التلاعب بتصاريح التوريد والتصدير، هل واكبت الديوانة هذا التطوّر؟ الديوانة لا تبحث في النوايا إذ أن من مشمولاتها الأساسية حماية الأمن القومي بكل أبعاده بما في ذلك الأمن الاقتصادي والمالي ومن ثمة فهي تتعامل بيقظة وجدية كاملة مع كل الظواهر التي تمس الأمن القومي بما في ذلك تهريب العملة الصعبة الى الخارج الذي توليه كل أجهزة الديوانة أهمية بالغة وهو ما مكن في بداية هذا العام من تفكيك شبكتين منظمتين لتهريب الأموال وذلك بالتوازي مع الحجوزات التي تتم بشكل يومي تقريبا سواء على الخط الأول او الثاني حيث تمكن فصيل الديوانة بمطار تونسقرطاج منذ بداية العام من حجز مبالغ بالعملة الصعبة تعادل خمسة ملايين دينار كانت ستهرب الى الخارج فيما تمكن جهاز الحرس الديواني خلال الفترة ذاتها من حجز ما يعادل مليونين من الدنانير. في نفس الاطار، شهدت البلاد في الآونة الأخيرة تفاقم ظاهرة تهريب الذهب الى الخارج؟ هناك بالأحرى تطوّر ملحوظ للنجاعة الديوانية في الرصد والتصدي لهذه الظاهرة وكل أشكال التداول غير المشروع لمادة الذهب باعتبارها من المعادن النفيسة التي تخضع لتراتيب خاصة حيث تمكن جهاز الحرس الديوانية خلال المدة المنقضية من هذا العام من حجز كميات من المصوغ وسبائك الذهب تناهز 140 كلغ وتعادل قيمتها 14 مليون دينار. بعد بعض عمليات الاستهداف التي طالت أعوان الديوانة في المدة الأخيرة لاحظنا تراجعا في مداهمة مخازن المهربين؟ عزيمة أعوان الديوانة لا تتأثر بأي طارئ ومهما كانت خطورة ردات الفعل التي يمكن ان تحصل على الميدان ومن هذا المنطلق فإن نسق المداهمات قد تطوّر في الآونة الأخيرة حيث قام جهاز الحرس الديواني بتنفيذ 123 مداهمة في بداية هذا العام توزعت على مختلف أنحاء البلاد علما أن استهداف المخازن يشكل واحدا من مكونات الرقابة المشددة الذي يخضع لها الخط الثاني والتي أسفرت خلال المدة ذاتها عن إحباط 2848 عملية تهريب وحجز بضائع مختلفة بقيمة 90 مليون دينار منها 103 أطنان من قوالب وفواضل النحاس و238 ألف قطعة ملابس جاهزة ومليوني علبة سجائر و8 آلاف علبة دواء. نأتي الآن الى الظواهر الموسمية وخاصة تفاقم ظاهرة «الفوشيك» والألعاب النارية في شهر رمضان... كيف تتعاطى الديوانة مع هذا الملف؟ هناك أولا تراجع ملحوظ لظاهرة الفوشيك مقارنة بالأعوام الأخيرة بفعل سياسة تجفيف المنابع التي شملت كل روافد التهريب والتوريد العشوائي... كما انه بمناسبة شهر رمضان تم تكثيف الرقابة من قبل الحرس الديواني والأبحاث الديوانية على الطرقات والمخازن وهو ما مكن من حجز كميات من الفوشيك واللعب النارية ولعب الأطفال والملابس تناهز قيمتها 7 ملايين دينار. مقابل التركيز على المخازن والطرقات اي الخط الثاني هناك من يعتقد ان نقاط العبور المنظمة وخاصة الموانئ البحرية هي أكبر رافد للتوريد العشوائي من خلال ما يعرف بتصاريح التوريد الكاذبة؟ تكفي الاشارة في هذا الاطار الى أن الاستخلاصات الديوانية تطوّرت العام الفارط بقرابة ٪26 وهو ما يبرز ضمنيا حجم المجهود الذي بذل للقضاء على التصاريح المغلوطة التي يعمد لها الموردون للحط من قيمة الأداءات المستوجبة او التهريب من الرقابة الفنية عند التوريد... والتي تراجعت الى أدنى مستوياتها نتيجة تشديد الرقابة المسبقة عبر اعتماد منظومات متطورة تؤمن رصد الحاويات المشبوهة قبل وصولها الى تونس وكذلك الرقابة اللاحقة حيث تم ارساء فرق خاصة لهذا الغرض علما أن الديوانة استكملت في الآونة الأخيرة تعميم أجهزة السكانار من الجيل الثالث على كل المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية.