لعلّ أفضل ما يختزل علاقة الإمام علي بالخليفة أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب هو ما رواه ابنه محمد بن الحنفية حين سأله ذات يوم: أيّ النّاس خير بعد رسول اللّه ﷺ؟ قال أبوبكر... قلت ثم من؟ قال «ثم عمر» قال وخشيت أن يقول ثم عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال «ما أنا إلا رجل من المسلمين». نذكر هذا الحديث الذي عرضنا له سابقا ونعود إليه لندلّل من خلاله على تواضع الإمام علي رضي اللّه عنه وانضباطه وزهده في أمور الدنيا، فبقدر ما كان شيعته يتحمسون في الدعوة إليه بل وفي حثّه على الترشح للخلافة على أساس كونه من أهل البيت وعلى أساس قرابته من رسول اللّه ﷺ وعلمه وحكمته وورعه وبلائه في ساحات الجهاد، بقدر ما كان الإمام علي زاهدا فيها، مؤثرا الانضباط لما يجمع عليه المسلمون، رافضا الانخراط في كل ما من شأنه إشعال أو تأجيج نيران الفتنة. ومع أن الرسول ﷺ لم يوص بالخلافة من بعده الى سيدنا أبي بكر الصدّيق فإن الإمام التزم بسرعة المبايعة حرصا على وأد كل بذور الخلاف التي كانت قد ظهرت في سقيفة بني ساعدة. وكانت تلك اللحظة بمثابة الصفحة الجديدة التي فتحت في خلافة أبي بكر صفحة كان فيها للإمام علي دور بارز في إسداء المشورة والنصيحة للخليفة وفي شدّ أزره في حروب الردّة التي خاضها وفي الغزوات والفتوحات التي جرت في عهده. وتدور عجلة الزمن وتقترب ساعة المنية ويعمد أبوبكر الصدّيق الى التوصية لعمر الفاروق بتوليه شؤون الخلافة من بعده، ومرّة أخرى يبرز الإمام بانضباطه يقينا منه بأهلية سيّدنا عمر بها والتزاما بالقناعات التي ذكّرنا بها آنفا من خلال حديثه ابنه محمّد حين سأله من يكون خير الرجال بعد الرسول ﷺ فأجابه بأن أبا بكر يأتي في المقام الأول وعمر يأتي في المقام الثاني... كذلك فإن خلافة المسلمين آلت الى الفاروق بيسر وسلاسة حيث كان علي في طليعة المبايعين لإدراكه قدر عمر رضي اللّه عنه ولمعرفته لفضله وكذلك للعلاقة الوطيدة التي كانت تجمع الرجلين. الخلافة جعلت الخليفة عمر الفاروق يقرّب إليه عليّا ويشاوره في دقائق الأمور، بل ويتنازل عن رأيه وموقفه ويأخذ برأي علي وموقفه لثقته المطلقة في حكمته وحنكته وغيرته على مصالح الاسلام والمسلمين، حتى أن أخبار السيرة تنقل عنه قولة مأثورة قالها في الإمام علي حيث كان يقول: «أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو الحسن» في إشارة الى رجاحة عقله وسعة علمه، لذلك فإن عمر بن الخطاب لما أدرك أنه ميّت لا محالة رشح عليّا للخلافة مع أهل الشورى وذلك حينما قيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال «ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء السفر أو الرهط الذين توفي رسول اللّه ﷺ وهو عنهم راض» فسمّى عليّا وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمان. ومع ذلك سوف تؤول الخلافة الى عثمان بن عفّان وسوف يبدي الإمام نفس الموقف القابل والمساند لإجماع المسلمين.