إنَّ للنَّصيحة أهميةً عظيمة، فهي عمادُ الدِّين وقوامه، وبِها يَصلح العباد، ويسودُ الأمن، ويعمُّ الرَّخاء في البلاد. جاء في الحديث عن أبي رقية تميمِ بن أوسٍ الدَّاري رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: الدِّين النصيحة، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتِهم. (رواه مسلم) وهذا الحديث الشريف رواه خمسةٌ من أجِلاَّء الصحابة، هم: تميم بن أوس الداريُّ، وابن عُمر، وأبو هريرة، وثوبانُ، وابن عبَّاس رضي الله عنهم جميعًا وهذا يدلُّك على أهمية النَّصيحة. ومِمَّا يدلك أيضًا على أهمية النصيحة أنَّها قد جاءتْ أحاديثُ أخرى في الحثِّ عليها عن عدَّةٍ من الصحابة؛ منهم: جرير بن عبد الله، وحُذيفة بن اليمَان، وأنَسُ بن مالك، وأبو أمامة، وأبو أيُّوب، وغيرُهم رضي الله عنهم جميعًا. وفي هذا الحديث يُخبِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن النصيحة هي الدِّين كلُّه ذلك أنَّ الدِّين كُلَّه نُصْح؛ فالصَّلاة، والصِّيام، الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وبَذْلُ السَّلام، وإحسان الكلام؛ كلُّ ذلك نصح، قال ابن رجب رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: هذا يدلُّ على أنَّ النصيحة تشمل خِصالَ الإسلام والإيمان والإحسان التي ذُكِرَت في حديث جبريل عليه السَّلام وسمَّى ذلك كلَّه دينًا. وقال النوويُّ رحمه الله عن هذا الحديث: هذا حديثٌ عظيم الشَّأن، وعليه مَدارُ الإسلام... وأمَّا ما قاله جماعاتٌ من العلماء أنَّه أحدَ أرباعِ الإسلام؛ أيْ: أحَدُ الأحاديثِ الأربعة التي تَجمع أمورَ الإسلام، فليس كما قالوه، بل المدارُ على هذا وَحْدَه. والنصيحة لغةً: مأخوذة من مادة نصح التي تدلُّ على ملائمةٍ بين شيئين، وإصلاحٍ لَهما، وأصل ذلك النَّاصح، وهو الخيَّاط، والنصيحة: خلاف الغِشِّ، يُقال: نصحته أنصحه. وقال الرَّاغب: النُّصح مأخوذٌ من قولهم: نصحتُ له الود؛ أيْ: أخلصتُه، أو من قولهم: نصحت الجِلد: خِطْتُه. وقال ابنُ منظور: نَصَحَ الشيءُ: خلص، والنَّاصح الخالِص من العمل وغيره. أمّا اصطلاحًا: قال الخطابيُّ رحمه الله: النصيحة كلمة يعبَّر بها عن جملةٍ، هي إرادة الخير للمنصوح له. وقال الراغبُ رحمه الله: النُّصح تَحرِّي فعلٍ أو قول فيه صلاحُ صاحبه. وقال محمد بن نصر رحمه الله: قال بعضُ أهل العلم: جِمَاعُ تفسير النَّصيحة هو عناية القلب للمنصوح، مَن كان. وقال الجرجانِيُّ رحمه الله: هي الدُّعاء إلى ما فيه الصَّلاح، والنهي عمَّا فيه الفساد. والنصيحة فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقَط عن غيره، وهي لازمة على قدر الطاقة. (شرح الأربعين النووية).