تتلبّد سماء المدينة المنوّرة وتتراكم فيهاسحب الفتنة... ويهيج الثوار القادمون من مصر والعراق ويضيقون الخناق على عثمان بل ويصل بهم الأمر حدّ مطالبته بالتنحي ويستنجد الخليفة عثمان برفيق دربه علي بن أبي طالب ويكلفه بالوساطة وبالحديث إلى قادة المتمردين ومحاولة إيجاد اتفاق معهم يقضي على جذور الفتنة التي بدا واضحا انها سوف تكون مدمرة. وبالفعل يتوصّل الامام مع هؤلاء إلى اتفاق من 5 نقاط: على ان المنفي يقلب والمحروم يعطى ويوفر الفيء ويعدل في القسم ويستعمل ذو الأمانة والقوة. ويكتبون كتابا يضمّنونه هذا الاتفاق الذي يقبل به الخليفة عثمان دون أي تحفظ. وينطلق المتمردون إلى أنصارهم. لكن المرجفين ومروجي الاشاعات والأكاذيب لا يقبلون بنهاية الفتنة على يد الامام علي رضي الله عنه فيعمدون إلى مسرحية اختلاق كتاب حمله رسول مزعوم إلى حاكم مصر يطلب فيه عثمان صلب المتمردين فيقررون العودة هم والثائرون الذين كانوا في طريق عودتهم إلى العراق. فمع تباعد المسافات وانقطاع وسائل التواصل يطرح سؤال خطير حول دقة المؤامرة وخبث المخطط الذي أوصل المعلومة الخاطئة إلى كل الغاضبين ليعودوا أدراجهم ويضيّقون على الخليفة رغم أدائه اليمين على أنه لم يكتب ولم يملل ولم يعلم بالمكتوب المشار إليه.. وهو الحصار الذي انتهى بقتل الخليفة رغم وساطات الامام علي المتكرّرة وزجّه بولديه الحسن والحسين في جهود إخماد غضب الغاضبين وإطفاء نيران الفتنة. وتقول الأخبار إن الامام علي ولمّا علم بقتل الخليفة عثمان غضب غضبا شديدا على ولديه الحسن والحسين ومعهما الزبير بن العوام وصرخ فيهم كيف تركتموهم يقتلونه وأنتم معه؟ بعد الصلاة على عثمان ودفنه اتجه الصحابة إلى علي بن أبي طالب يرشحونه لتولي أمور المسلمين وقد قالوا له: أنت أحق النّاس بهذا الأمر فامدد يديك نبايعك. لكن الامام علي رفض الأمر رفضا باتا فاتّجه دعاة الفتنة إلى سعد بن أبي وقاص فرفض بدوره ورغم إلحاحهم وتذكيره برضا الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر عليه فقد تمسك برفضه. ذهبوا إلى عبدالله بن عمر فرفض. عندها عاد الصحابة إلى الامام علي وألحو عليه في قبول الأمر وحذّروه بأن تماديه في الرفض سوف يؤدي إلى أن يؤول الأمر إلى دعاة الفتنة. أمام إلحاح الصحابة يقبل الامام علي شريطة أن يكون أول من يبايعه طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهما لمكانتهما عند أهل الكوفة والبصرة ولتحسّبه من ثورة جديدة إذا هما لم يقبلا بتوليه الخلافة. وجيء بالصحابيين الجليلين وقبلا بمبايعة علي رغم بعض الأحاديث الضعيفة التي تورد روايات عن ضغوط ومفاسد صحبت مبايعتهما. قام علي وصعد على المنبر وألقى خطبة أعلن فيها قبوله أن يكون خليفة للمسلمين وذكّر الناس بالآخرة ولعن مشعلي الفتن. في تلك اللحظة يتقدم طلحة والزبير من علي يقولان له: دم عثمان في إشارة إلى أنهما يطلبان قتل قتلة عثمان... وسوف يكون لهذ الطلب ما بعده.