بعدها بيومين كان يركب سيارته (الفولكس فاغن) متجها إلى ناحية الكرخ على الضفة الأخرى للنهر، وكان إلى جانبه أحمد طه العزوز، وإذا بالحرس القومي يعترض طريق السيارة ويرفع رشاشاته مرة أخرى في وجهه، وعندما توقف جاءه ((لطيف الدليمي)) وكان ذلك أول لقاء بينهما وتحدث معه وبعد ذلك تنبه الدليمي إلى أن من بالسيارة رفاقا له، فطلب إلى أعضاء الحرس القومي المتحلقين حوله ألا يوجهوا لهم أية كلمة نابية. وركب لطيف معهما بالسيارة وأوصلهما إلى مقر القيادة العامة للحرس القومي استجابة لأمر صادر منها باعتقال صدام حسين وأحمد العزوز. ولكنه هناك لم يجد أحدا. ظل ساعتين جالسا في مقعده ومعه رفيقه دون أن يقول له أحد كلمة. وإذا برفيق له هو حاتم العزاوي رفيقه في عملية اغتيال عبد الكريم قاسم، يدخل على مقر القيادة وقد ارتدى ملابس الحرس القومي وبيده غدارة وصرخ بأعلى صوته : أريد أن يقول لي أحد ماذا فعل صدام ولم يجبه أحد فعاد يقول : أفهم من هذا أن ليس هناك مشكلة معه ولم يجبه أحد فنظر إلى صدام وقال له : إذن تفضل معي..وخرج مع رفيقه إلى الطريق وهو يزداد يقينا أن هذا الجو الإرهابي المشحون يمهد بالضرورة لعمل مشين ولم يمض سوى يومين حتى كانت مدافع عبد السلام عارف مصوبة إلى صدر الحزب بكامله. في 19 نوفمبر، كانت سرية من كتيبة الدبابات الأولى المعروفة باسم «14 رمضان» تتمركز في القاطع الذي يفصل بين القصر الجمهوري ومقر الإذاعة وكان من بين ضباط هذه الكتيبة «عدنان خير الله» ابن الحاج خير الله طلفاح، خال صدام، ووالد زوجته. وكان عدنان أخا آخر لصدام تربيا معا في نفس البيت وعاشا معا أكثر سنوات عمرهما في تكريت، و في بغداد. وكثيرا ما كان صدام يزوره في مقر الكتيبة قبل الانقلاب وهناك تعرف على عدد كبير من زملائه الضباط، فما كان منه إلا أن توجه إليهم حيث كانوا يحرسون الطريق المهم بين الموقعين المؤثرين غداة الانقلاب..شرح لهم الموقف بصراحة :ليست هذه حركة تصحيح كما يزعمون، التصحيح يقوم به الحزب نفسه، بغض النظر عن أخطاء القيادة. الحزب ينبغي أن يواصل مسيرته ويصحح أخطاءه من داخله..هذه بوضوح مؤامرة على الحزب..قالوا جميعا باقتناع :إننا حاضرون..فقط نريد موقفا حاسما ولم يكن هو في موقع قيادي يسمح له بحسم الموقف. في اليوم التالي تمكن من لقاء «أبي هيثم»، الرفيق أحمد حسن البكر وشرح له مشاعر الضباط واستعدادهم لحماية الحزب وضرب المؤامرة وبعدها تمكن من لقاء «حردان التكريتي»، وقال له كلمات قاطعة : لقد استخدموك اليوم وغدا سوف ينتهي دورك. و أراد ان يفصل بينه وبين عبد السلام عارف وطاهر يحيى ورشيد مصلح واقتنع حردان بعد ساعتين من النقاش ومضى إلى مؤتمر للضباط الذي عقد في مديرية الاستخبارات العسكرية، ودخل مع عبد السلام عارف في مشادة كلامية..حردان يقول :هذه حركة تصحيح داخل الحزب. وحزب البعث باق وعبد السلام عارف يرد عليه : هذه ثورة قومية وحزب البعث انتهى...بعدها بدأ صدام يوجه حردان توجيها مباشرا – منسقا في ذلك مع أبي هيثم – نحو العمل على حشد الحزبين لاستعادة شرعية الحزب..غير أن الأحداث كانت أسرع..تقرر نقل كتيبة الدبابات الأولى إلى البصرة وفقدوا القوة التي يمكن أن تساند الأمل في القيام بأي شيء. غير أن الأمل في قلوب الثوار الحقيقيين لا ينطفئ أبدا. على العكس أوقد التحدي الجذوة في قلب صدام حسين. فمضى وسط الظلمة يتحسس طريقه كي يجسد الأمل من جديد. فاتح عددا من رفاقه الذين يعرفهم، في التجمع والتماسك وإعادة بناء الحزب مرة أخرى. كان بينهم فاتك الصافي وعبد الله سلوم وحاتم العزاوي وتهيأت له مجموعة من خمسة عشر رفيقا وبدأ وشيكا حلول موعد انعقاد المؤتمر القومي السابع في دمشق وقرر أن يذهب مختفيا لحضور المؤتمر متسللا من الحدود العراقية السورية وستبدأ من هذه اللحظة مرحلة الاختفاء الجديد في حياته ولكن هذه المرة داخل حدود الوطن نفسه. يتبع