عندما يمرّ المرء هذه الأيام أمام المدارس الابتدائية والمعاهد الثانوية يلفت نظره ويشدّ انتباهه سلوك التلاميذ في التعامل مع كتبهم المدرسية وكراساتهم ووثائقهم العلمية حيث يعمدون إلى تمزيقها وذرّها في الفضاء وقد تملّكتهم هستيريا من الصياح والحنق وترديد الشعارات فتتساقط تلك الأوراق جذاذات وأجزاء وتتناثر هنا وهناك كأنها أوراق الشجر الذابلة في فصل الخريف، كما يعمد بعضهم وفي نهاية كل عام دراسي إلى رمي معلميهم وأساتذتهم بالبيض. هكذا يودع أبناؤنا المدرسة والمعهد وهكذا يترحمون على السنة الدراسية المنقضية وهكذا يكافئون من رفع عنهم غشاوة الجهل وحشا عقولهم علما وأخلاقا. هذه التصرفات الغريبة والمشينة ما كانت لتجول في عقول الأجيال السابقة التي كانت تقدّس العلم وتحترم المرّبي والمدرسة والمعهد. فكانت العواطف تهيج عند كل نهاية سنة مدرسية و كانت دموع الفراق والوداع تنهمر لا تكفّ عن النزول حزنا على فراق أستاذ وتأسفا على إحالة معلّم على التقاعد بعد سنوات طويلة من البذل والعطاء فلا نراه في مفتتح السنة الدراسية الجديدة أو انتقال مدير إلى مدرسة أخرى، وهنا يحضرني ذلك البيت الشعري الرائع لأحمد شوقي وهو يمجّد المعلم: قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا. أمّا الكتب والكراسات فكم كانت عزيزة على النفوس والقلوب فكان يحتفظ بها لسنين طويلة كذكرى جميلة وعزيزة يتناقلها الأخلاف عن الأسلاف بعناية كبيرة وكأنها قطعة أثرية نادرة لا تقدّر بثمن. فما أبعد اليوم عن الأمس! فقد وصل الاستهتار بالعلم الذي حثّ على طلبه ديننا الحنيف إلى درجة دنيا وبلغ الاستخفاف بأهل العلم وضعا مهينا فعوض أن تقدّم لهم باقات الورود إكراما لهم وتقديرا لمجهودهم يرمون بالبيض أو يشتمون وينعتون بشتى أنواع الأوصاف القبيحة هذا إذا لم يتعرضوا إلى العنف والاعتداء. إن المشهد اليوم حزين وكئيب يبعث على الحيرة ويخلّف الأسى والحزن في النفوس ورغم أنني لست من المتشائمين ولكن بلغ السيل الزبى وأصبحنا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة يجب علينا أن نقف عندها وأن نشخّصها بدقة, والمسؤولية تقع على عاتق الأسرة وسلطة الإشراف وأهل الاختصاص من علماء النفس والتربية والاجتماع لعل هذا يساعدنا على علاجها حتى لا تتفاقم وبالتالي يعود للعلم تلك القدسية التي خلعت عليه ويعود للمربي احترامه وللمؤسسة التربوية هيبتها وناموسها حتى تؤدي رسالتها على الوجه الأفضل في تخريج أجيال من الكفاءات السوية الذين بهم يبنى الوطن وتتعزز مكانته ويتحقق المستقبل المشرق للأجيال القادمة.