تشهد سوق الشغل في تونس تناقضات عديدة ففي الوقت الذي تصل فيه معدلات البطالة بين التونسيين 15.3 بالمئة يتزايد الحضور اللافت للعمّال الافارقة المقيمين في تونس في قطاعات عديدة وتغزو هذه العمّالة قطاعات معينة في مقدمتها المهن الصغرى والمتوسطة. تونس/الشروق تراهم في مواقع شغلهم يسعون للحياة في بلد تتوقّف الحياة في شرايينه الاقتصادية. هؤلاء هم شباب قادمون من دول افريقية عديدة اختاروا تونس منارة للتحصيل الجامعي والباب الذي تنفتح فيه الآفاق فإمّا الاستقرار والعمل في تونس أو استعمال تونس كمنطقة عبور نحو الدول الأوروبية. تناقض هؤلاء، من الجنسين، اختاروا خاصة خلال السنوات الأخيرة الاندماج في سوق الشغل التونسية ايّ كان الظرف ووجدوا الطريق لمهن تحتاج لليد العاملة ولا يقبل بها الكثير من الشباب التونسي باعتبار وأنها «لا تتناسب وطموحاتهم المهنية والاجتماعية والمادية» على حد تبريرات الكثير من الشباب. وفي هذا الاطار يقول محمد، ذو 27 سنة والحامل لشهادة الاستاذية في اللغة الانقليزية والمعطّل عن العمل منذ 4 سنوات، ل«الشروق» إنّ «زيادة حجم العمّال الافارقة في تونس بدا ظاهرا للعيان خاصة في العاصمة والمدن الكبرى وهؤلاء يقبلون العمل في ظروف صعبة خاصة وان الكثير منهم يقيم بشكل غير قانوني في البلاد كما انهم يقبلون بأجور يرفضها الكثير منّا نحن كطالبي شغل فالعمل في المقهى يعني الحصول على اجر شهري لا يتجاوز 400 دينار فمن من الشباب يقبل بهذا الاجر خاصة اذا كان يقطن في منزل على وجه الكراء ويضطر للتنقل لمسافات طويلة لشغله وغيرها من المصاريف بينما يسمح نمط العيش الذي تعوّده العامل الافريقي بالقبول بهذا الاجر حيث انه تعوّد الإقامة الجماعية في منزل واحد على وجه الكراء وقد يصل عدد سكّان ذلك المنزل الى حوالي 10 و15 مقيما يقتسمون سعر الكراء الشهري بالإضافة الى حاجته الضرورية للشغل فيقبل بمثل هذا الاجر». وأضاف محمد «هذا الوضع يؤثّر سلبا على تركيبة سوق الشغل ويضاعف من تناقضاته فميل أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة لتشغيل اليد العاملة الافريقية مقابل أجور زهيدة واستغلال مفرط في العمل يسدّ الطريق أولا على اليد العاملة التونسية (بشروطها الطبيعية من ذلك حقها في الاجر اللائق) ويزيد من انزلاق الأوضاع في سوق الشغل نحو مزيد الاستغلال وعدم تطبيق قواعد الصحة والسلامة المهنية في التشغيل». اقتحمت العمالة الافريقية، خاصة خلال السنوات الأخيرة، قطاعات الاشغال والبناء والمقاهي والمطاعم والحمّامات (جمع حمّام) وأيضا العمل في المنازل وفي الأسواق وفي محطات غسل السيارات والتزود بالبنزين. كما اقتحمت الميدان الزراعي مثل جني المحاصيل كالزيتون والحبوب وغراسة الأشجار المثمرة. وغالبا ما تكون هذه اليد العاملة الافريقية تتكون من طلبة الجامعات الذين حلّوا بتونس بهدف الدراسة ويحتاجون للعمل بالتوازي لتأمين مصاريفهم الدراسية او هم من خريجي الجامعات الذين يفضلون الاستقرار في تونس للعمل او للعبور لاحقا نحو الدول الأوروبية. وهؤلاء يعملون في ظروف صعبة وفي استغلال اقتصادي مفرط بلغ حدّ وفاة عامل افريقي (ايفواري الجنسية) في صفاقس بسبب الاجهاد في العمل والاستغلال المفرط واحتجازه في مكان الشغل وحجز جواز سفره وفقا لوجدي العايدي رئيس لجنة التعاون اللامركزية ببلدية صفاقس ومستشار منظمة تونس ارض الهجرة واللجوء. كما قال العايدي إنّ العمالة الافريقية تتعرض الى استغلال اقتصادي وسوء معاملة من ذلك اجبارهم على العمل لمدة 16 ساعة في اليوم. وكانت منظمة تونس ارض الهجرة واللجوء قد تلقت خلال 2017 ما يناهز 410 شكاية تتعلق بسوء المعاملة والاستغلال المفرط تعرض لها عمّال افارقة في تونس منها 50 حالة اتجار بالبشر. ورغم هذه الظروف الصعبة يجد العمّال الافارقة انفسهم في مواجهة رضوخ لهكذا أوضاع باعتبار وانهم يحتاجون للعمل ولدخل شهري يضمن الحياة باعتبار وانه لا بديل لهم عن ذلك. في المقابل تستقر سوق الشغل وطنيا عند نقطة التناقض هذه فالقطاعات التي توفّر الشغل لا تستهوي خرّيجي الجامعات وبالتالي الازمة تتعلق أساسا بطبيعة التكوين الجامعي والذي لا يتلاءم ومتطلبات سوق الشغل الوطنية فاغلب الاختصاصات تُفتح آفاقها على التشغيل في قطاع الإدارة والتعليم أي الوظيفة العمومية. كما ان اغلب خرّيجي الجامعات يرفضون الانخراط في القطاعات المشغلة (المهن الصغرى والمتوسطة والزراعة) باعتبار وانها لا تتلاءم وحاجياته المهنية والمادية وأيضا الاجتماعية. تناقض يعمّق حالة العطالة في البلاد خاصة امام تزايد ميل المشغّلين في المؤسسات الصغرى والمتوسطة وأيضا في مراكز النداء الى الاعتماد على اليد العاملة الافريقية باعتبار قبولها بأجور دنيا ورضوخها أيضا غير الارادي لحالة الاستغلال المفرط اقتصاديا بسبب هشاشة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية كمهاجرين. وضع صعب يثير اكثر من سؤال حول الواقع الحقوقي الذي يعيشه العامل الأجنبي (الافريقي) المقيم في تونس والذي تقدّر مصادر بالمعهد الوطني للإحصاء عدده ب7320 مقيما خلال العام 2014 حوالي 21 بالمئة منهم ينخرطون في العمل في مجالات عديدة إذ تستقطب الاعمال المنزلية 7.9 بالمائة منهم وتشغّل الجمعيات والمنظمات 17.7 بالمائة والتجارة 6.6 بالمائة. فؤاد غربالي (باحث في علم الاجتماع) مَأْسسة الهشاشة المهنية تونس «الشروق» قراءة أسماء سحبون تعمل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة في تونس، بدفع من أصحاب المصالح المتنفذين، على «مأسسة الهشاشة المهنية» بقصد إضعاف العمل النقابي من جهة والتملص من مسؤولياتها الاجتماعية من جهة ثانية. وتتمدد هذه السياس الى قطاع الوظيفة العمومية الذي لا يزال مطمح الآلاف من خريجي الجامعات. في الاثناء تفشت البطالة وتعددت اشكال الفقر وانتشر في تونس صعود صاروخي لطبقة الأثرياء الجدد المستفيدين من الفساد المتشابك مع المصالح السياسية والاقتصادية وتتوسع المسافة الرمزية والاقتصادية بين ال«الهم» المندمجون في الحياة على نحو كامل وبين ال«نحن» مجروحة ومهانة ويكتنفها الشعور الدائم بانها تعيش على تخوم الحياة الحقيقية. وهذه ال«نحن» في تونس هي نحن شبابية في الغالب. وليس الاستبعاد الاقتصادي فقط هو ما يعمق احباطات الشبيبة في تونس بل ان العمل المتزايد على الاقصاء في نطاق المشاركة السياسية هو أحد وجوه الخيبة التي تعمقت لدى الشبيبة فالشباب يقدم من الحكام الجدد كما القدامى وكأنه حالة نفسية مرضية يجب الإحاطة بها في حين يتعلق الامر بضرورة رسم سياسات عمومية للشباب تستمد فاعليتها من عملية تغيير اجتماعي. ومن بين ثنايا كل هذا ينبثق العنف بينما تغيب الرؤية الواضحة سواء على المستوى الاقتصادي او الثقافي او التربوي لإعادة التفكير في موقع الشباب داخل المجتمع.