يظهر ان بلادنا تعيش تناقضا غريبا فمن ناحية فان نسبة البطالة مرتفعة وتتجاوز 15 بالمائة ومن ناحية أخرى . فهناك قطاعات تشكو نقص اليد العاملة وخير مثال على ذلك الفلاحة وقطاع العقارات و التشييد والبناء. هذه القطاعات تصنف كونها شاقة أي متعبة وتتطلب جهدا عضليا وبدنيا كبيرا اضافة الى كونها لا تتطلب شهادات ومستوى تعليميا ولا حتى تكوينا. وفق الأرقام الرسمية فان معدل البطالة في تونس مرتفع جدا حيث يصل عدد العاطلين أو المعطلين عن العمل حسب الحالات الى ما لا يقل عن 800 ألف شخص. لكن في مقابل هذا فان قطاعات مثل الفلاحة خاصة في مواسم الجني تعاني من نقص بل ندرة اليد العاملة ا . في مرحلة أولى يمكن أن نعتبر أن التجاء أصحاب الضيعات أي أصحاب المشاريع الفلاحية للعنصر النسائي للقيام بأعمال الجني للمحاصيل أو قبل ذلك القيام بعديد الاعمال مثل ازالة الأعشاب الطفيلية والزراعة هو حل للتعامل مع واقع نعيشه وهو عزوف العنصر الرجالي على القيام بهذه الأعمال لأنهم يرونها شاقة ومرهقة أو لكونهم يريدون أعمالا ووظيفة قارة "مسمار في حيط" كما يقال أو بسبب ما يرونه كونها أعمال موسمية وأجرها متدن. في العموم فان الأجر الفلاحي للرجال أرفع منه للنساء ورغم ذلك فان القطاع يعاني من العزوف الذكوري. فالأجر الشائع في الفلاحة هو ما بين 20 و25 دينارا ليوم العمل وهو أجر يعتبر مقبولا في العموم.
لو أخذنا موسم جني الزيتون لوحده فانه يتطلب ما لا يقل عن 120ألف عامل خاصة وان 80 بالمائة من عمليات الجني تتم بالطرق التقليدية لكن للأسف فان الفلاحين لا يجدون اليد العاملة الكافية ما جعلهم يلجؤون لتوظيف النساء لكن حتى هنا فان النقص يتواصل لا في هذا المجال فقط بل في جني الطماطم والتمور وغيرها من المنتوجات والأمر نفسه في قطاع البناء. جراء عدم توفر اليد العاملة المطلوبة صار أصحاب الضيعات يلجؤون الى حل جديد وهو توظيف الأفارقة المتواجدين بتونس في الاعمال الفلاحية خاصة جمع المحصول. لكن من الاجحاف تفسير الامر بعد توفر يد عاملة كافية فقط بل ان الفلاحين يجدون ان العامل الافريقي اكثر مردودية في العمل وأقل أجرا من نظيره التونسي. ورغم انه لا توجد أرقام دقيقة حول عدد الأفارقة ببلادنا بما في ذلك الذين يتم توظيفهم في مختلف الاشغال المجهدة فان الثابت ان العدد يتزايد وصار مرتفعا خاصة في السنوات الأخيرة . وللعلم هنا فان اغلب الأفارقة المتواجدين في تونس دخلوا البلاد بصورة غير شرعية بالتالي فهم يقيمون بصفة غير شرعية أيضا وهم ينقسمون بين من دخلوا من ليبيا و من يعتبرون تونس أرض عبور نحو أوروبا . هؤلاء منهم كثير لم يتمكنوا من الهجرة الى الصفة الشمالية او ان الاقامة في تونس يرونها أفضل منها في بلدانهم الأصلية بالتالي كبر عدد المقيمين الأفارقة غير الشرعيين . صفة عدم شرعية الاقامة هنا مهمة جدا في فهم توسع ظاهرة استخدامهم في شتى المهن والاعمال خاصة التي تصنف كونها شاقة اي التي يعزف عنها الشباب التونسي بالتالي فهؤلاء بحكم مخالفتهم للقانون في الاقامة وخشية اكتشاف امرهم وبالتالي ترحيلهم فانهم يقبلون بأن يعملوا حتى بأجور أقل من العمال التونسيين كما أنهم يفضلون العمل في " النوار" كما يقال أي بدون وثائق شخصية أو عقود ويقبلون بعدم التمتع بأي حقوق مهنية كالضمان الاجتماعي لأن القانون أصلا يمنع وجودهم في تونس دون تسوية وضعياتهم. بالتالي فظاهرة استخدام العمالة الافريقيةصارت منتشرة في مختلف المهن مثل الفلاحة والبناء لتمتد الى وظائف. فاليوم نراهم في محطات بيع الوقود ومحطات غسيل السيارات وفي أعمال المقاولات العامة كالدهينة والكهرباء والحفر وغيرها وأيضا في المطاعم والمقاهي وكمعينات منازل.