يعي الساسة اليوم أكثر من أي وقت مضى حجم الخسائر المعنوية التي يعيشونها بسبب تنامي هذه القطيعة بينهم وبين الفاعل الاجتماعي. إذ كيف ينجح سياسي في الوصول الى الحكم دون ان يحظى بالدعم الشعبي والالتفاف الجماهيري؟ لا أحد من الأحزاب اليوم، دون استثناء، قادر على رصّ الصفوف من حوله. كما كان الأمر في 2011 و2014 فقط لان الناخب التونسي تغيّر إذ لم يعد ذلك الناخب العاطفي الذي يصوّت بمنطق الانحياز الأيديولوجي فالناخب اليوم يبحث عن حلول لمشاكل واقعه المعيشي فمن خاطبه بحلول تنهي أزماته اليومية سيميل اليه ويصوّت له. لكن كل الأحزاب اليوم تعاني من التوجس والاضطراب بخصوص الموعد الانتخابي المقبل لأن الناخب التونسي امتحن فيها عدم الصدق في برنامجها الانتخابي خلال موعديْ 2011 و2014 ولأنها أيضا غير قادرة على تقديم برنامج يستجيب لمطالب التونسي. «وقفت الزنقة بالهارب» كما يقول مثلنا الشعبي القديم ستؤول انتخابات 2019، إن لم يتم تأجيلها، لمن كان الاصدق ولمن يؤمن صدقا بجوهر هذه الثورة ووفّر حلولا لكل الازمات عدا ذلك سينتهي البقية الى زوال. الساحة السياسية اليوم في مخاضها الأخير وفي المحصلة لا يمكن ان نُساس في غياب أحزاب سياسية قوية وصاحبة برنامج حكم واضح ويستجيب لتطلعات الجميع ولا يمكن أيضا ان نُساس بشعبويين بعضهم يصلح ان يكون زعيما في عصابة إجرامية فبناء الشعبية بمنطق شيطنة الأحزاب هو أيضا امر مردود على أصحابه وسينتهي الى مزبلة التاريخ قريبا.