ببعض الاختصار والاختزال تقدّم هذه « الدائرة « للقارئ المبتدئ والباحث المتوسّع المعلومات الأساسية والمراجع الضرورية عن مختلف المواضيع والمجالات الممثّلة للحضارة التونسية عبر تطورها مرتّبة ألفبائيا، لغاية التسهيل والتقريب. وقد استثنينا المدائن التي خصصناها بعدّة مؤلفات متوّجة ب «موسوعة مدن تونس» مثلما استثنينا الأعلام الذين جمعناهم في « معلمة أعلام تونس» والألقاب التي وثّقناها في « الأصل والفصل / معجم ألقاب التونسيّين». وأردناها، في غير ذلك، جامعة - دون ادّعاء الإلمام الكلّي والشمول التّام - اقتناعا منّا بالجدوى العمليّة والإفادة السريعة على صورتها هذه، واعترافا بالعجز والتقصير لو رمنا الإحاطة بكلّ شيء، وهو أمر مستحيل مهما أوتينا من الوقت والجهد. إجازة: وثيقة يحرّرها شيخ لتلميذه أو لمريده بطلب منه يعترف له فيها بأهليته لنقل العلم الذي درّسه إياه والانضمام بالتالي إلى سلسلة رواته وشرّاحه. فهي عقد ثقة والتزام وأمانة بينهما بالوراثة خلفا عن سلف. والإجازات متنوّعة شاملة للعلوم التقليدية من تفسير وحديث وفقه وأوراد وأحزاب وكلّ ما اجتمعت فيه الرواية والدراية. وهي نوعان: خاصة وعامة. فالخاصة مقصورة على كتاب، والعامة شاملة لجميع الكتب التي درسها التلميذ عن شيخه فرخّص له إنابته في تدريسها كلّها. وقد أورد توفيق البشروش على سبيل المثال النصّ الكامل لإجازة الشيخ محمد بيرم لمحمد الشريف في خصوص رواية صحيح البخاري بالتسلسل التصاعدي منه إلى مؤلّفه الأوّل الإمام المشهور. البشروش (ت.) : موسوعة، ص 53 – 55. - أسطورة: تحافظ الذاكرة المحلّية على بعض الأساطير من التراث الشفوي المشترك ولو كان نقلا محرّفا عن الصحف، وأخصّها بالذكر ما تعلّق بتأسيس المدن والقرى وتفسير أسمائها وألغاز معالمها، فضلا عن كرامات الأولياء الصالحين الشائعة في الجهات ممثّلة للتصوّف المغاربي في طوره الطرقي ابتداء من ق 6 ه / 12 م. ولكلّ أسطورة مغزى يضمن حياتها واستمرارها وجذور يستعين المؤرّخ على كشفها بعالم الاجتماع والإناسة وبمختلف المصادر بما فيها الدينيّة والأدبيّة. وتظلّ بعد دراستها معينا للمبدع وملجأ عند الأزمة كصدر الأمّ يستعاض به عن الطبيب النفساني مهما توفّر من مكاسب الحياة العصريّة. تروى في تستور حكاية خروفة إبّان تأسيس البلدة الموريسكيّة وحكاية دفاع سيدي علي العريان عنها ضدّ القائد ابن صندل وحكاية الربّي فراجي على غرار حكاية سيدي مرعي، وحكاية قدوم الوسلاتيين ومشكل اندماجهم. ونجد في السلوقية حكاية الكلبة المرافقة لسيدي ابن عثمان من الجريد إليها تفسيرا لاسمها. ونجد في دقّة أسطورة نسر معبد الكابتول كما نجد في الكاف أسطورة التضحية البشريّة الحامية لأسوارها إبّان حفر أسسها والمفسّرة لنجاح الغرباء فيها قبل أبنائها، وكذلك أسطورة رجال الحشّان الطوال الأنوف بحمّام بن عنين ( أي بين عينين) الشبيهة بأسطورة حمّام الذهب بتونس. ولليهود هناك قصّة الغريبة الشبيهة بغريبة جربة زيادة على أسطورة برج العقارب بجزيرة بوغرارة. و كثيرا ما يربط التشابه بين جهتين متباعدتين في حكايتين شأن قلعة سنان وفرنانة خمير في الصمود ضدّ السلطة المركزية والامتناع عن دفع المجبى زمن البايات والمظالم وشأن حكاية صاحب الحمار في تستور في علاقتها بجذور السيرة الهلاليّة مع شيخ ماطوس في قبلّي وفي قابس وصولا إلى الأصل في حكاية سدّ مأرب باليمن. وأحسب أنّ قلّة من أهالي سليمان ورادس وحمّام الأنف يعرفون الأسطورة الرابطة بينهم والمفسّرة لتدفّق العيون المعدنية في إطار علاقة مؤثرة بين أطراف تحمل نفس الأسماء جمعت بين الحرب والحبّ. ولتوزر علاقة خياليّة بفرعون ترتبط هي أيضا بعيد البرزقان في الكاف في نفس اليوم من السنة، غرّة ماي العجمي الموافق للرابع عشر من ماي الغريقوري. ومن أشهر الأساطير أسطورة قرطاج من اقتطاعها مقاسة بجلد الثور – مثلما يحكى عن صفاقس والدويرات – إلى توقّع خرابها بظهور الملح في قواعد بنيانها، وهو الذي ذرّه الرومان على أرضها إعداما لخصبها. ومثلها في الشهرة حكاية عقبة بن نافع عندما طلب من الوحوش الرحيل عن الموقع الذي أقرّه لتأسيس القيروان وعندما رام تحديد القبلة لبناء جامعه، وحكاية الكاهنة سواء في الجمّ في علاقتها بالنفق المؤدّي من القصر المحاصر إلى سلّقطة منفتحا على البحر ضامنا للمؤونة أو في طبرقة حيث البئر التي شهدت فيها نهايتها حسب ما يروى. وفي تونس تلاشت الأسطورة مخلّفة مثلا أو قولا مأثورا يختزلها فيقال « يحرز محرز « تذكيرا برعايته لليهود في رواية وتذكيرا باعتراضه على سيدي أبي الحسن الشاذلي في دعائه عليها بالغرق في البحر وقد مالت نحوه لولا تدخّل حارسها، فهي دوما المحروسة. ولكنّ الناس يذكرون أكثر قنديل باب منارة لكثرة موافقته للظرف. أمّا في تستور فبقيت من حكاية صاحب الحمار عبارة « دخلنا الأربش» يعبّر بها الأهالي عن تذمّرهم من النازحين إليهم من الأعراب المتسببين في افتقاد الأمن والثقة. ابن حمادي (صالح) : بحوث في الأساطير الشعبيّة التونسيّة. – تونس 2007 ؛ الحمروني (أ.) : من أساطير المدائن التونسية. – في : معالم ومواقع، ع 30، جانفي 2015، ص 23 – 28 وكذلك : تستور / وثائق ودراسات، ص 68 – 75 ؛ السلوقية. – في : دامت 5 / 1995، ص 108 – 113 ؛ بين التاريخ والأسطورة. – في : دراسات في الآثار والنقائش والتاريخ تكريما لسليمان مصطفى زبيس، المعهد الوطني للتراث، تونس 2001، ص 31 – 37 وفي: الشمال الغربي التونسي، ص 34 – 40؛ العريبي ( علي): خرافات تونسيّة. – سحر، تونس 2009. (يتبع)