لقد ساندت الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي قرار التأميم بعد صدوره بل كان الاتحاد السوفييتي هو اول من اشترى النفط العراقي المؤمم. وتبعته فرنسا واسبانيا وتركيا وايطاليا واليونان ويوغسلافيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا ومصر والمغرب وشركات غربية مستقلة. ولم تترك ادارة شؤون المعركة بعد التأميم طيلة التسعة اشهر التي اعقبت القرار وسبقت رضوخ الشركات في النهاية له في الاول من مارس 1973 . وهي الشهور الصعبة القلقة التي لم يوضع فيها القرار موضع التطبيق فحسب. بل وضع فيها العقل القيادي للعراق كله موضع الامتحان العسير للفنيين وحدهم. ولم يتخلف العقل السياسي لحظة واحدة عن الامساك بدفة المعركة. واحتفظ القياديون في الحزب بمواقعهم الأساسية دائما في غرفة عملياتها مع توفير الكادر الفني المطلوب والضروري لها بطبيعة الحال. ولقد كانت النتيجة ان (الذين لم يكونوا على اية معرفة بشؤون النفط) من قبل استطاعوا قبل بداية مارس 1973 ان يسوقوا من النفط المؤمم 48 مليون طن من أصل 57 مليون طن. و هي الطاقة الانتاجية القصوى لحقول كركوك المؤممة في ذلك الوقت. وهذا الرقم يزيد بمقدار عشرين مليون طن على الرقم الذي ادعت الشركات المؤممة قبل تأميمها انها لا تستطيع تسويق اكثر منه. وهو ما بررت به في وقتها تخفيض الانتاج. وفي نهاية مخاض الشهور التسعة ولد الاقتصاد العراقي المستقل. وشهد النور لأول مرة. لقد تمت التجربة ونجحت (لأن الذي نزل الى النهر...استطاع ان يسبح بمهارة وان يصل الى الضفة الاخرى من النهر سالما). اترانا نستطيع القول إنها لم تكن المرة الاولى بالنسبة لصدام حسين الذي يجتاز فيها عرض النهر سابحا. ويبلغ بقوة ارادته وإيمانه و بثقته الكاملة في مبادئه وسياسته وقيمته....الشاطئ الاخر؟ غير ان تأميم النفط في العراق لم يؤثر داخليا على مستوى الساحة الوطنية فحسب. وإنما كان له تأثيره القومي بعيد المدى. إن تحقيق الاستقلال الاقتصادي وتحرير الارادة الوطنية بكسر التبعية والقطع البنيوي مع الامبريالية لم يكن هو اقصى الآماد التي يطمح الى الوصول اليها العقل السياسي الذي دخل معركة التأميم وخرج منها حينذاك بنجاح لقد ذكر صدام حسين ان (اي انتصار يتحقق في اطار قطر ما يبقى خطوة على طريق الاهداف المركزية للثورة العربية...) ومن هنا فإن شعار (نفط العرب للعرب) الذي كان العراق اول من رفعه وان كان قد تحقق جزئيا داخل القطرالعراقي وحده فإنه لا يزال مرفوعا مدويا ينادي على العرب النفطيين ان يأخذوا به وينتزعوا للأمة الفقيرة والعارية والمتخلفة رغم كل تراثها المذهل، حقوق أبنائها من براثن الامبريالية العالمية. ان شعار نفط العرب للعرب لم يكن مجرد كلمات حماسية تطلق للاستهلال على الساحة القومية. فلقد رفع العراق شعارا آخر نابعا منه ومعبرا عن نفس محتواه النضالي وهو : النفط كسلاح في المعركة، وفي اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في 27 جانفي عام 1973 في غضون الشهور التسعة العسيرة نفسها طرح العراق مشروعا للعمل العربي المشترك يرتكز على أساس استخدام النفط كسلاح في المعركة القومية ضد الامبريالية والصهيونية بتأميم المصالح النفطية وكل المصالح الاخرى لكل دولة لا تستجيب لنداء قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية عن الدولة الصهيونية. وقال العراق يومها للعرب (الآخرين) (نحن دولة نفطية ولذلك لا تعتبروننا مزايدين عندما نطرح هذا الشعار. اننا نطرحه بأخوة وندرك فاعليته ونحن اول من ينفذه ومن يبدأ به في العراق فاجعلونا فدائيين). (يتبع)